إذا كان العام 2024 كرّس تحوّلا كبيرا على طريق طي ملفّ الصحراء الغربيّة عبر تأكيد مغربيتها، واعتراف المجتمع الدولي والدول العربية بذلك، يبدو العام الجديد 2025 عام إزالة الأوهام بشكل نهائي. ستكون هناك إزالة أوهام من عقول مريضة اعتقدت أنّ في الإمكان الهرب من الواقع كي تعيش في عالم خاص بها. كانت تلك العقول المريضة وراء شنّ حرب استنزاف على المغرب بسبب استعادته سيادته على أقاليمه الصحراوية بطريقة سلميّة.
في الواقع نجح المغرب في ضوء تمسّكه بثوابته، بدءا باستعادة حقوقه بالطرق السلميّة، فيما فشل النظام الجزائري في رهانات لا طائل منها. في مقدّم الرهانات الهرب من الأزمات الداخلية للبلد عن طريق تصدير أزماته إلى خارج حدوده من جهة ورفع شعارات طنانة من جهة أخرى.
لم يعد مستبعدا أن يكون 2025 عاما حاسما على صعيد الانتهاء من قضيّة مفتعلة اسمها قضية الصحراء. لم يكن من هدف من وراء افتعال هذه القضيّة غير الإساءة إلى المغرب الذي سكت طويلا عن كلّ الممارسات الاستعماريّة الفرنسيّة التي استهدفت اقتطاع أجزاء من أراضيه وضمّها إلى الجزائر التي كانت فرنسا تعتقد أنّها لا يمكن أن تكون يوما غير جزء من فرنسا.
◄ ليس سرّا أن وراء الفشل الجزائري رهانات تقوم على الأوهام فيما يمتلك المغرب ثوابت بات العالم مقتنعا بها، في أساسها اقتراح الحكم الذاتي للصحراء المطروح منذ العام 2007
في كلّ يوم يمر يحقق المغرب اختراقا سياسيا جديدا. لم يكن تعليق غانا قبل أيّام قليلة اعترافها بما يسمّى “الجمهوريّة الصحراوية”، التي أعلنتها جبهة “بوليساريو” التي ليست سوى أداة جزائرية، غير دليل آخر على أن 2025 ستكون سنة واعدة للمغرب. تكمن أهمّية ما قامت به غانا في أنّها دولة كانت في طليعة الدول التي عملت ضدّ المغرب في الماضي. تنتمي غانا إلى الدول الأفريقية التي يتحدث مواطنوها الإنجليزية. مرّة أخرى، ظهرت فاعلية الدبلوماسية التي يقودها الملك محمد السادس الذي أعطى زخما ليس بعده زخم لقضيّة الصحراء المغربية. بلغة الأرقام، ومنذ العام 2000، علق 46 بلدا أو قطع العلاقات مع “الجمهوريّة الصحراويّة” التي لا وجود لها على أرض الواقع. بين هذه البلدان 13 بلدا أفريقيّا.
في الوقت الذي اتخذت غانا قرارها القاضي بتعليق اعترافها بـ”الجمهوريّة الصحراوية”، كانت الجزائر في مواجهة مع فرنسا التي اعتبر رئيسها إيمانويل ماكرون أن احتجاز الكاتب الجزائري – الفرنسي بوعلام صنصال “يسيء إلى الجزائر”. استغل ماكرون الخطاب الذي يلقيه مطلع كلّ سنة في حضور سفراء بلده المنتشرين في أنحاء العالم ليقول “إنّ الجزائر التي نحب كثيرا والتي نتشارك معها في قضايا كثيرة دخلت قصة تسيء فيها إلى ذاتها، هي قصة منع رجل مريض جدا من الخضوع للعلاج. إن ذلك ليس في المستوى الذي يفترض أن تكون عليه (…) نحن الذين نحب الشعب الجزائري وتاريخه، نطالب بإطلاق بوعلام صنصال المناضل من أجل الحريّة والذي يعتقله المسؤولون الجزائريون اعتباطيا.”
الموضوع في غاية البساطة، تصرّ السلطات الجزائرية على اعتقال صنصال، الموجود في غرفة العناية الفائقة والذي يبلغ الـ75 من العمر، منذ تشرين الثاني – نوفمبر الماضي لأنّه تجرأ على الحديث عن اقتطاع فرنسا أراضي مغربية في مرحلة ما قبل استقلال الجزائر في العام 1962. كذلك اتخذ الكاتب المعروف موقفا داعما للمغرب في ما يخص قضيّة الصحراء رافضا أن يكون بوقا لنظام تتحكّم به طغمة عسكريّة منذ استقلاله في العام 1962.
◄ المغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون
نجح المغرب بقيادة محمّد السادس عن طريق سلسلة من الاختراقات هي في واقع الحال فعل تراكمي صبّ في مصلحة تكريس مغربيّة الصحراء، خصوصا بعد الموقف المشرف الذي اتخذته إدارة الرئيس دونالد ترامب في العام 2020. ليس سرّا أن وراء الفشل الجزائري رهانات تقوم على الأوهام فيما يمتلك المغرب ثوابت بات العالم مقتنعا بها في أساسها اقتراح الحكم الذاتي للصحراء المطروح منذ العام 2007. حرص العاهل المغربي على تحديد هذه الثوابت في خطاب ألقاه في تشرين الثاني – نوفمبر الماضي في الذكرى الـ49 لـ”المسيرة الخضراء” وهي مسيرة شارك فيها نحو 350 ألف مواطن من أجل استعادة الأقاليم الصحراوية. قال محمّد السادس وقتذاك إنّ “المسيرة الخضراء” كانت (في 1975) “مسيرة سلمية وشعبية، مكّنت من استرجاع الصحراء المغربية، وعززت ارتباط سكانها بالوطن الأم. منذ ذلك الوقت، تمكن المغرب من ترسيخ واقع ملموس وحقيقة لا رجعة فيها قائمة على الحق والشرعية والالتزام بالمسؤولية.”
أشار إلى أن ذلك يتجلى من خلال الآتي:
“أولا: تشبث أبناؤنا في الصحراء بمغربيتهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة، القائمة عبر التاريخ، بين سكان الصحراء وملوك المغرب.
ثانيا: النهضة التنموية، والأمن والاستقرار، الذي تنعم به الصحراء المغربية.
◄ في الواقع نجح المغرب في ضوء تمسّكه بثوابته، بدءا باستعادة حقوقه بالطرق السلميّة، فيما فشل النظام الجزائري في رهانات لا طائل منها. في مقدّم الرهانات الهرب من الأزمات الداخلية للبلد
ثالثا: الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي.
وبموازاة مع هذا الوضع الشرعي والطبيعي، هناك مع الأسف عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن.
فهناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي نفس الوقت يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة والحرمان من أبسط الحقوق.
وهناك من يستغل قضية الصحراء للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي.
لهؤلاء نقول: نحن لا نرفض ذلك؛ والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة.”
من الآن، يمكن التكهن بما سيكون عليه خطاب محمّد السادس في الذكرى الـ50 لـ”المسيرة الخضراء”. ستكون 2025 سنة مزيد من الاختراقات المغربيّة. يعود ذلك إلى أنّه ليست لدى المملكة المغربية أي عقد من أي نوع. هناك ثوابت مغربيّة لها ترجمتها على الأرض. في المقابل، توجد رهانات جزائريّة تقوم على أوهام. هل يمكن لرهانات قائمة على الأوهام أن تنتصر على ثوابت موجودة على الأرض؟