قانون الأسرة بالمغرب.. تعديلات مقترحة في انتظار التوافق
تشهد الساحة السياسية والاجتماعية في المغرب نقاشات واسعة بشأن حقوق المرأة وزواج القاصرات والميراث والمساواة، منذ إعلان الحكومة المغربية مقترحات لتعديل “قانون الأسرة” في ديسمبر المنصرم.
وبينما رحبت بتلك المقترحات أحزاب مثل “التجمع الوطني للأحرار” (قائد الائتلاف الحكومي)، و”التقدم والاشتراكية” (يساري معارض)، انتقدتها أخرى مثل “العدالة والتنمية” (محافظ معارض)، محذرة من انعكاسات ذلك على الأسرة والعزوف عن الزواج.
ومن المنتظر أن تحيل الحكومة مشروع القانون المقترح إلى البرلمان لمناقشته والتصديق عليه قبل النشر في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ. وفي سبتمبر 2023، دعا الملك محمد السادس رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى إعادة النظر في قانون الأسرة بمشاركة الهيئات الرسمية والمجتمع المدني. وفي مارس 2024، تسلم أخنوش تقرير الهيئة المكلفة بمراجعة قانون الأسرة.
في ديسمبر الماضي، أعلنت الحكومة تعديلات مقترحة على قانون الأسرة تتعلق برفع سن الزواج إلى 18 عاما وتقييد تعدد الزوجات وحضانة الأطفال وغيرها. وقال وزير العدل عبداللطيف وهبي “تأسيسا على مقترحات هيئة مراجعة المدونة (قانون الأسرة) والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى (أعلى هيئة دينية بالبلاد)، حددنا أهلية الزواج بالنسبة للفتى والفتاة في 18 سنة كاملة.”
وأضاف في مؤتمر صحفي بالعاصمة الرباط “وضعنا استثناء للقاعدة المذكورة، يُحدد فيها سن القاصر في 17 سنة، مع شروط تضمن بقاءه عند التطبيق في دائرة الاستثناء،” دون إيضاحات. وحاليا، يتيح القانون تزويج الإناث بين 15 و18 عاما بشرط الحصول على إذن من القاضي، فيما يُمنع على الذكور الزواج قبل 18 عاما.
وبخصوص تعدد الزوجات، قال وهبي “اعتمدنا إجبارية استطلاع رأي الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه، والتنصيص على ذلك في العقد، وحال اشتراط عدم التزوج عليها، لا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط.” وتابع “في حال غياب هذا الشرط، فإن المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد سيصبح محصورا في إصابة الزوجة الأولى بالعقم أو مرض مانع من المعاشرة الزوجية أو حالات أخرى يقدرها القاضي.”
كما شملت التعديلات المقترحة “تأطيرا جديدا لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية (الزواج)، مع تثْمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال العلاقة الزوجية،” حسب وزير العدل. وأوضح وهبي أنه “سيتم اعتبار حضانة الأطفال حقا مشتركا بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية وعدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها رغم زواجها” بعد الطلاق.
وقال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، خلال تقديمه التعديلات المقترحة، مؤخرا، إن “10 قضايا مقترحة وافق عليها المجلس العلمي الأعلى (أعلى هيئة دينية بالمملكة) كما اقترحتها الهيئة المكلفة بمراجعة القانون.”
وأضاف “يتعلق الأمر بسن الزواج، وبشهادة الشاهدين المسلمين في الخارج، وبالنيابة الشرعية المشتركة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في ثروة الزوج، ووجوب نفقة الزوجة بالعقد، وبقاء الحضانة للمرأة بعد الزواج (بشخص آخر)، والمساواة بين الأبناء والبنات في استحقاق الوصية الواجبة.”
وبخصوص “نسب الولد خارج الزواج.” قال الوزير إن الهيئة اقترحت “حلا بديلا، وهو تحميل الأب والأم المسؤولية عن حاجيات الولد دون إثبات النسب، لأن ثبوت النسب يخالف الشرع والدستور، ويؤدي إلى هدم مؤسسة الأسرة وخلق أسرة بديلة.” وتابع التوفيق “بالنسبة إلى الوصية للوارث إذا لم يجزها باقي الورثة، اقترحنا حلا بديلا يتمثل في الهبة عوض الوصية.”
وكشف أن هيئة العلماء رفضت إلغاء التعصيب في الميراث، وهو إحدى طرق توزيع التركة على الورثة، ويعني أن يرث الذكور من العصبات (الأقارب) ما تبقى من التركة بعد أصحاب الفروض. وأكمل “في حالة ترك البنات دون الأبناء (في الوصية)، فالجواب البديل هو الهبة للبنات وعدم اشتراط الحيازة الفعلية.”
ولا يزال النقاش مستمرا في المغرب بشأن هذه التعديلات، سواء على منصات التواصل الاجتماعي أو بالإعلام المحلي. وأعرب عبدالإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عن أمله أن تأتي الصياغة القانونية لهذه التعديلات بصورة “وجيهة وصائبة.”
وفي كلمة له مؤخرا، شدد بنكيران على أن حزبه “سيقف في وجه كل صياغة غير مناسبة، بكل السبل القانونية والمشروعة.” وقال إن “الواجب هو العمل على تشجيع الزواج لأن هناك انخفاضا كبيرا فيه بالبلاد، وليس دفع الشباب إلى اليأس منه، وتحويل مناسبة العقد إلى صراع قد يؤدي إلى إلغاء الزواج.”
بالمقابل، أشاد حزب التقدم والاشتراكية بالتعديلات الحكومية، واصفا إياها في بيان بأنها “إيجابية.” وذكر أنه “سيدافع داخل البرلمان” عن التعديلات أثناء التصديق على النص التشريعي المنتظر، إضافة إلى سعيه نحو بلوغ ما دافع عنه باستمرار من “مساواة تامة بين النساء والرجال.”
واعتبر أحمد البوكيلي، أستاذ باحث في الفكر الإسلامي والحضارة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، التابعة لجامعة محمد الخامس (حكومية) أن “النقاش الكبير الدائر حول هذه التعديلات يدل على فضاء الحرية الذي تتسم به البلاد، حيث يعبر الجميع عن أفكاره واجتهاداته.” وفي تصريح للأناضول، قال البوكيلي إن الأمر “وصل إلى استقطابات حادة،” مشيرا إلى مسيرتين نظمتا في الرباط والدار البيضاء خلال عام 2004، دعت إليهما المدرستان الحداثية والمحافظة في البلاد للمطالبة بتعديلات معينة.
ولفت إلى أن “النقاش والاختلاف يرتبطان بحضور مرجعيات أيديولوجية وفلسفية واجتهادية، والاختلاف ما هو إلا تأكيد للطابع التعددي بالمجتمع المغربي، وطابع التنوع والجو المفعم بقيم الحرية.” وحذر البوكيلي من “خطورة تحول النقاش من بُعده الخاص بقضية الأسرة إلى نقاش أيديولوجي يرتبط بمنطق انتخابي وسياسي، وتحريف النقاش إلى أبعاد تكفيرية.”
ورأى البوكيلي أن “ما يميز البلاد أيضا هو وجود مرجعية يحتكم إليها المغاربة، وهي المرجعية الملكية، التي تنظم هذا المجال الخاص بقضية الأسرة.” وأضاف “العاهل المغربي محمد السادس، هو الذي دعا إلى تعديل القانون وشكل لجنة، ودعاها ألا تخرج عن إطار الشريعة الإسلامية.”
واستدرك “لكن في الوقت نفسه دعاها إلى الأخذ بالاجتهاد البنّاء الذي يراعي مقاصد الشريعة وموقع المغرب في العلاقات الدولية وتوقيعه مجموعة من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمواضيع الحقوقية.” وخلال مايو 2024، طلب ملك المغرب من المجلس العلمي الأعلى إصدار فتوى شرعية بشأن التعديلات المقترحة على قانون الأسرة التي تثير جدلا في البلاد.
ودعا الملك المجلس الذي يُفتي في ما هو معروض عليه من مقترحات، إلى استحضار مضامين الرسالة الموجهة إلى رئيس الحكومة، الداعية إلى “اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء،” في ظل الضابط الذي طالما عبر عنه عاهل البلاد من “عدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال.”
وأشار البوكيلي إلى أن “المجتمع المغربي محصن في هويته ومرجعيته، فضلا عن إعادة الاعتبار لمؤسسة العلماء التي يناط بها الاجتهاد المقاصدي، وأخذ التنوع بعين الاعتبار.” وأضاف “نحن لسنا إزاء معركة ما بين الرجل والمرأة، نحن إزاء اختلافات غايتها خدمة الأسرة المغربية.”
وأوضح الأكاديمي المغربي أن الاختلاف الموجود حاليا “مبني على الاحترام، لأنه غايته في آخر المطاف خدمة الأسرة، والادعاء بانتصار طرف على آخر، هو موقف أيديولوجي لا علاقة له بالقيم الأخلاقية.” وتوقع أن يصل المغاربة إلى “توافق، خاصة أن السياسة المغربية مبنية على منطق التوافق، وهي طريقة مثلى لإدارة هذه الملفات بطريقة تراعي الإجماع الوطني والمؤسساتي والدستوري، وتحترم حقوق الجميع في التعبير.”