غانا تسحب اعترافها ببوليساريو… السياقات والدلالات
يعكس اعتراف جمهورية غانا، البلد المؤثر في سياسات التكامل الأفريقي، بمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، اختراقا دبلوماسيا يزيد من تهميش جبهة بوليساريو الانفصالية وداعميها. ويتوقع محللون أن تحذو دول أفريقية أخرى حذو أكرا.
يمثل سحب جمهورية غانا اعترافها بجبهة بوليساريو الانفصالية مقابل دعمها لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد ونهائي للنزاع بشأن الصحراء المغربية، اختراقا مغربيا يكرس تنزيل الرؤية الملكية للسياسة الخارجية المرتكزة على عقيدة دبلوماسية رصينة وفاعلة ومندمجة بمسارات متعددة يشكل فيها البعد الأفريقي مسارًا محوريًا.
ويعتبر المغرب الانفتاح على القارة الأفريقية خيارا إستراتيجيا يكرس التزامه بتعزيز التعاون الإنمائي وتعميق الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية مع مختلف الدول الأفريقية. وتؤكد الشواهد أن هذه الجهود لا تساهم فقط في تعزيز مكانة المملكة المغربية على الساحة الدولية والقارية، بل تساهم أيضًا في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وتتمثل قوة القرار الغاني في مصداقيته، حيث أنه يأتي في يوم تنصيب الرئيس الغاني جون دراماني ماهاما، مرشح التغيير في غانا وممثل المعارضة الغانية، بعد فترة رئاسية صعبة قضتها البلاد تحت حكم الرئيس السابق نانا أكوفو أدو، والتي أدت سياساته الاقتصادية والاجتماعية إلى صعوبات كبرى يعيشها ثاني اقتصاد في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بعد نيجيريا.
وأكد الرئيس ماهاما في خطاب التنصيب على أن غانا مقبلة على تحولات متعددة في المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث تُعتبر بلاده استثناء ديمقراطيًا في منطقة غرب أفريقيا، وتتميز بالانتقال السلمي للسلطة في نظامها السياسي على عكس العديد من الدول الأفريقية المجاورة التي عانت وتعاني من الانقلابات العسكرية والتحديات الدستورية.
ويأتي القرار الذي أبلغته وزارة الشؤون الخارجية والاندماج الإقليمي في جمهورية غانا إلى حكومة المملكة المغربية عبر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج في الرباط وإلى الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا ومنظمة الأمم المتحدة بنيويورك بعد أشهر قليلة من زيارة الرئيس الغاني السابق السيد نانا أكوفو إلى جنوب أفريقيا حيث أعلنت كل من غانا وجنوب أفريقيا في الإعلان الختامي للزيارة عن دعم الحكومتين لجبهة بوليساريو.
وجاء القرار الغاني كنتيجة طبيعية لعمل دؤوب ومجهود استثنائي تقوم به الدبلوماسية المغربية في مختلف ساحات أفريقيا من خلال الترافع الجدي والمسؤول عن القضايا الوطنية. وترتكز الدبلوماسية المغربية على الجاذبية الكبرى للمبادرات الملكية التي تهدف إلى تحويل الصحراء المغربية إلى جسر حضاري بين مختلف دول العالم من خلال تنزيل مشاريع كبرى رائدة ستغير وجه المنطقة.
ومن أهم هذه المشاريع مشروع أنبوب الغاز الأطلسي – الأفريقي، والمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي والتي تهدف إلى تحقيق اختراقات دبلوماسية في المعاقل التقليدية للأطروحة الانفصالية، وبشكل خاص في غرب أفريقيا التي كانت إلى عهد قريب بسبب سياقات تاريخية وسياسية وأيديولوجية معينة أحد أهم المجالات التي تنشط فيها دعاية التضليل الانفصالية.
ويقوم المغرب منذ سنوات بعملية جيوسياسية كبرى تستهدف التطويق الإستراتيجي لجبهة بوليساريو وصانعتها الجزائر في مطاردة دبلوماسية هادئة ودقيقة ليس في المحافل الدولية والمؤسسات القارية والهيئات الدولية، بل العمل على استهداف نقط الارتكاز العملياتية التي تعتمد عليها آلة التضليل للترويج للطروحات الانفصالية، خاصة في الدول التي كانت تعرف تعاطفًا كبيرًا وتاريخيًا معها في أفريقيا كغانا ونيجيريا وزيمبابوي وموزمبيق وأوغندا وأنغولا وجنوب أفريقيا.
واستطاعت المملكة المغربية إقناع عشرات الدول بصوابية موقفها اعتمادًا على نجاح نهج “دبلوماسية القنصليات” التي تلتزم به المملكة وفق إستراتيجية دبلوماسية متكاملة ترنو لفرض واقع سياسي ودبلوماسي جديد في الأقاليم الجنوبية يتناسب وحجم الإنجازات التنموية الكبرى والورش الاجتماعية والاقتصادية العملاقة التي أطلقتها الرباط في الصحراء المغربية، ما ينهي الوضعية الرمادية لشركاء المغرب التقليديين والجدد فيما يخص الموقف من سيادة المغرب على الصحراء المغربية.
وقامت الدبلوماسية المغربية والمصالح الخارجية بأكرا تحت الإشراف المباشر للسفيرة المغربية في غانا إيمان واعديل بعمل دؤوب انتهى بموقف سياسي ودبلوماسي أسقط أحد المواقع المتقدمة الكبرى للدعاية الانفصالية في أفريقيا الغربية. وبناء على ذلك، فإن الدبلوماسية البرلمانية والموازية ومجموعات التفكير الاستراتيجي مدعوة أكثر إلى تحصين الموقف الغاني الجديد ودعمه من خلال العمل على تشبيك أكثر للعلاقات الثنائية وفتح مسارات جديدة للتعاون والتكامل باستثمار التغيرات السياسية الإيجابية التي عرفتها غانا بعد الانتخابات والتي ستؤثر بشكل كبير على العلاقات الثنائية بين البلدين التي يطمح الجانبان في الأشهر المقبلة للارتقاء بها لمستوى شراكة إستراتيجية.
◙ قرار أكرا له أهميته حيث أن جمهورية غانا تاريخيًا من أهم الدول المؤثرة في الوضع الجيوسياسي في المنطقة الأفريقية
وللقرار الغاني المتعلق بقضية الصحراء المغربية أهميته وراهنيته وإستراتيجيته، حيث أن جمهورية غانا تاريخيًا من أهم الدول المؤثرة في الوضع الجيوسياسي بغرب أفريقيا، وحاليًا لها حضور فاعل ومؤثر في مجموعة من المنظمات الإقليمية والدولية سواء الاتحاد الأفريقي أو المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
وتعمل المملكة المغربية، من خلال رؤيتها الأطلسية التي تم إنضاج شروطها الذاتية والموضوعية وفق رؤية تنموية صرفة، على جعل ضفتي المحيط الأطلسي أحد المجالات الاقتصادية المهمة عالميًا والتي توفر إمكانيات هائلة للتبادل الحضاري بين الضفتين.
وهذا التبادل سينتقل بعد قرون من استغلال مقدرات الشعوب بنكهة استعمارية خدمة للميتروبول الكولونيالي، إلى علاقات بنكهة الشراكات الإستراتيجية الفاعلة في إطار تعاون محور شمال – جنوب وجنوب – جنوب وبمبدأ رابح – رابح.
وتقدم المبادرات والمشاريع المغربية حلولًا للمشاكل الأفريقية بسواعد الإنسان الأفريقي وفق رؤية ملكية تشكل الإطار المرجعي لتحركات الدبلوماسية المغربية وتحدد بدقة مساراتها في إطار المسؤولية والشفافية والهدوء الإستراتيجي والثبات الانفعالي بعيدًا عن ردود الأفعال غير المضبوطة النتائج وغير المؤسسة على مواقف راسخة.
ويشكل تشجيع المملكة لمبدأ التكامل الإقليمي في أفريقيا إنشاء فضاءات إقليمية مستدامة بأبعاد اقتصادية تلبي تطلعات الشعوب الأفريقية من حيث حرية الحركة والازدهار المشترك في إستراتيجية سياسية متكاملة ومندمجة بأبعاد اقتصادية وإنسانية.