لماذا على الولايات المتحدة دعم مبادرة المغرب الأطلسية

نهج الرباط يتماشى مع الأهداف الأميركية الأوسع لإستراتيجيات الأمن في شمال الأطلسي والمحيطين الهندي والهادئ.

أفريقيا عادة ليست من أولويات السياسة الخارجية الأميركية، إلا أن التحديات التي تواجه القارة من شأنها أن تغيّر هذه المعادلة لصالح انخراط أميركي أكبر. ويبرز المغرب كشريك إستراتيجي لا غني عنه للولايات المتحدة في المنطقة.

في ظل احتدام صراع النفوذ في القارة الأفريقية يدفع صناع القرار والرأي الأميركيون إلى تبني إستراتيجية أميركية جديدة في القارة بما يخدم المصالح الإستراتيجية الأوسع لواشنطن.

ويرى محللون في مبادرة المغرب الأطلسية تماهيا مع الأهداف الأميركية الأوسع لإستراتيجيات الأمن في شمال الأطلسي والمحيط الهندي والهادئ، وهو ما يستوجب دعمها.

ولم تعد أفريقيا قارة فقيرة جيوسياسيا كما كان يُنظر إليها ذات يوم، بل أصبحت أكثر نفوذا داخل النظام العالمي، وتجتذب القوى الكبرى وتضع نفسها كلاعب رئيسي.

وتتمتع أفريقيا بموارد طبيعية وفيرة وإمكانات طاقة متزايدة تعزز أهميتها الاقتصادية والجيوسياسية.

وتمتلك القارة معادن أساسية، بما في ذلك الكوبالت والليثيوم والبلاتين، وهي ضرورية للصناعات التي تقود التحول في مجال الطاقة والتقدم التكنولوجي العالي.

وعلى سبيل المثال، تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية حوالي 70 في المئة من احتياطيات الكوبالت في العالم، وهو أمر ضروري للبطاريات القابلة لإعادة الشحن.

وتفتخر زيمبابوي برواسب الليثيوم الكبيرة، وتعد جنوب أفريقيا منتجا رئيسيا للبلاتين والبلاديوم، وهو أمر حيوي لتقنيات الحد من الانبعاثات.

أفريقيا أصبحت أكثر نفوذا داخل النظام العالمي، وتجتذب القوى الكبرى وتضع نفسها كلاعب رئيسي

وتسمح هذه الأصول لأفريقيا بتلبية الطلب العالمي المتزايد على اقتصاد أكثر اخضرارا. وتتمتع أفريقيا أيضا بموارد طاقة هائلة. ويمكن أن تساعد رواسب الغاز الطبيعي في شرق أفريقيا، ولاسيما في موزمبيق وتنزانيا، إلى جانب احتياطيات النفط في نيجيريا وأنغولا، في تلبية احتياجات الطاقة العالمية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن إمكانات أفريقيا في مجال الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية من الصحراء المغربية والطاقة الكهرومائية من حوض النيل والكونغو، تضع القارة في مكانة رائدة في مجال الطاقة المستدامة في المستقبل.

ومن شأن تنمية هذه الموارد بشكل مسؤول أن تعزز استقلال أفريقيا في مجال الطاقة، مما يجعلها شريكا مثاليا للدول التي تعمل على تنويع مصادر الطاقة النظيفة.

ومع ذلك، فإن الاستفادة من هذه الموارد تتطلب الاستثمار في البنية الأساسية لتأمين سلاسل التوريد وبناء القدرات المحلية.

ويمكن تنشيط مبادرة برنامج أفريقيا، التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع التركيز على تطوير المواد الحيوية والطاقة المتجددة بشكل مستدام.

وعلى نحو مماثل، يمكن لمؤسسة تمويل التنمية أن تلعب دورا رئيسيا في تمويل مشاريع البنية الأساسية والطاقة الإستراتيجية، وتعزيز النمو المستدام والتكامل الإقليمي.

وجاء في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي أن المبادرات الأخيرة التي قادها المغرب تقدم نموذجا جديرا بالملاحظة لتعزيز التماسك الاقتصادي والسياسي في جميع أنحاء منطقة أفريقيا الأطلسية.

تبني منظور جديد لأفريقيا من الولايات المتحدة يتطلب أن تدرك أن القارة أكثر بكثير من مجرد خزان للموارد

واسترشادا برؤية إستراتيجية لتعزيز الاتصال الإقليمي، يتماشى نهج المغرب مع الأهداف الأوسع لإستراتيجيات الأمن في شمال الأطلسي والمحيط الهندي والهادئ، مما يؤكد دور أفريقيا في الاستقرار العالمي.

ومن الأمثلة الرئيسية لهذه الإستراتيجية مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، والذي يهدف إلى ربط دول غرب أفريقيا وتعزيز التكامل في مجال الطاقة على طول الممر الأطلسي.

ولا يعمل هذا المشروع على تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة فحسب، بل إنه يعزز أيضا التعاون الإقليمي، ويضع ساحل المحيط الأطلسي الأفريقي كمركز حاسم للطاقة والتجارة والاستثمار والأمن البحري.

وفي هذه الإستراتيجية، يضع المغرب نفسه أيضا كقائد في التحول الطاقي في أفريقيا، ويستثمر في إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا – الموارد الأساسية للحد من الاعتماد على الطاقة وتعزيز اقتصاد منخفض الكربون.

وتتماشى هذه الجهود مع سياسة “الثلاثية أ” (تكييف الزراعة الأفريقية) التي يتبناها المغرب، والتي تعزز الأمن الغذائي من خلال الممارسات الزراعية المرنة وتدعم الدول الأفريقية في التكيف مع تحديات المناخ.

ومن خلال دمج الطاقة والسيادة الغذائية والتعاون الاقتصادي، يهدف المغرب إلى تحويل الممر الأفرو – أطلسي إلى محرك للنمو الأفريقي.

ويمكن أن توفر هذه الرؤية، التي تتماشى مع عقائد شمال الأطلسي والمحيط الهندي والهادئ، إطارا للتعاون يعالج الاحتياجات الإستراتيجية لكلا الضفتين.

التوافق مع الرؤية المغربية يمكن أن ينشط السياسة الأميركية – الأفريقية من خلال ترسيخها في الديناميكيات المحلية والتطلعات الأفريقية

والهدف النهائي هو إنشاء ممر أفريقي – أطلسي مرن ومتكامل يدعم الاقتصادات المحلية مع الاتصال بسلاسل التوريد العالمية.

وتضع قيادة المغرب نفسها كلاعب مركزي في بناء تحالف أطلسي موسع حيث تتقارب المصالح الاقتصادية والطاقة والأمنية من أجل المنفعة المتبادلة.

وبالنسبة للولايات المتحدة، وخاصة في ظل إدارة ترامب المحتملة، فإن التوافق مع هذه الرؤية المغربية يمكن أن ينشط السياسة الأميركية – الأفريقية من خلال ترسيخها في الديناميكيات المحلية والتطلعات الأفريقية.

وعلاوة على ذلك، توفر العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة وأفريقيا، وخاصة المغرب، الأساس لهذه الشراكة.

وتم توقيع أول معاهدة سلام وتجارة أميركية مع المغرب، أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة.

وترمز معاهدة السلام والصداقة المغربية – الأميركية لعام 1786، والتي لا تزال سارية المفعول حتى اليوم، إلى تحالف طويل الأمد يمكن أن يلهم عصرا جديدا من التعاون الاقتصادي والأمني.

ومع ذلك، تواجه أفريقيا أيضا تحديات جيوسياسية وأمنية كبيرة. وتتطلب الأنشطة الإرهابية في منطقة الساحل، وتهديدات الأمن البحري في خليج غينيا، والتمردات في شمال موزمبيق، والأزمات المستمرة في وسط أفريقيا إستراتيجية متماسكة مصممة خصيصا للسياقات المحلية.

Thumbnail

وبالنسبة لإدارة دونالد ترامب الجديدة، فإن إعادة تصور العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا توفر فرصة لتعميق العلاقات مع القارة ووضع الولايات المتحدة كشريك جدير بالثقة في مجال التنمية.

وفي نهاية المطاف، يتطلب تبني منظور جديد لأفريقيا من الولايات المتحدة أن تدرك أن القارة أكثر بكثير من مجرد خزان للموارد، إن أفريقيا شريك لا غنى عنه في تعزيز الاستقرار العالمي.

ومع لعب بعض الدول أدوارا محورية في التماسك الإقليمي والتنمية، فإن هذا التحول يمثل فرصة فريدة للولايات المتحدة لتشكيل تحالفات قائمة على الاحترام المتبادل ودعم رحلة أفريقيا نحو التكامل والنمو المستدام.

ولكي نفهم تماما ديناميكيات القوة العالمية المتغيرة، يتعين على الولايات المتحدة أن تتجاوز التصورات القديمة وأن تحتضن نفوذ أفريقيا المتزايد داخل النظام الدولي.

ولم تعد أفريقيا مجرد مزود للمواد الخام، بل أصبحت قوة وازنة تتمتع بموارد أساسية وإمكانات طاقة كبيرة ورؤية للوحدة الإقليمية تتوافق مع الأهداف العالمية للاستدامة والمرونة.

وإذا كانت الولايات المتحدة تهدف إلى الحفاظ على نفوذها في هذا العالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد، فيجب عليها أن تتعامل مع أفريقيا كشريك حقيقي، وتشكل تحالفات قائمة على الاحترام والتطلعات المشتركة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: