المقولة الشعبية الشهيرة “واش نتا معانا ولا مع غانا”، هل أنت معنا أم مع غانا؟ طريقة مبتكرة من طرف المغاربة نقلوها من ملاعب كرة القدم إلى حياتهم اليومية، وتقال للاستفسار عن موقف الطرف الآخر من قضية ما: معنا أم ضدنا؟ ويبدو أن جمهورية غانا أضحت معنا بعدما قررت تجميد علاقاتها الدبلوماسية مع بوليساريو، حسب وثيقة رسمية موجهة إلى وزارة الشؤون الخارجية للمملكة المغربية، مع إبلاغ الاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة بهذا الموقف على الفور، عبر القنوات الدبلوماسية.
لحظة حاسمة في علاقة المغرب مع هذا البلد الأفريقي الهام الذي احتضن بوليساريو لأكثر من أربعة عقود، يلتحق فيها بركب الداعمين للسيادة المغربية على الصحراء، وفي نفس الوقت إغراق لأطروحة الانفصال في القارات الخمس. لم يعد البترودولار الجزائري يغري الأغلبية داخل القارة لبناء تحالف ديناميكي يتماشى مع التحديات الكبيرة على مستوى الأمن الغذائي والصحي والطاقة.
إنه موقف يجاري الزخم الذي تعرفه قضية الوحدة الترابية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، ودعم مخطط الحكم الذاتي الجاد وذي المصداقية الذي اقترحته المملكة، باعتباره حلا وحيدا يقوم على الوحدة الترابية للمغرب من أجل تسوية هذا النزاع. هذا واقع تحتاج بوليساريو وداعمتها الجزائر إلى الاعتراف به. الاعتراف بأنه لم يعد للانفصال مستقبل أفريقيا وأوروبيا وحتى عربيا، سقط النظام السوري الذي احتضن بدوره فكرة الانفصاليين.
◙ المغرب صنع اختراقا دبلوماسيا كبيرا بتحويل هذه الدولة الأفريقية عداءها لوحدة المملكة المغربية إلى تعليق اعترافها ببوليساريو
لاحظنا تواجد وزير الخارجية رفقة رئيس مجلس النواب لتمثيل العاهل المغربي الملك محمد السادس في حفل تنصيب رئيس جمهورية غانا، ليتم وضع حد لاعتراف دام منذ سنة 1979. لم تربح غانا شيئا من انحيازها للانفصاليين، بالمقابل أضحت تنظر القيادة بجمهورية غانا إلى مبادرات المملكة داخل القارة بعين الرضا، ومنها مبادرة الأطلسي ومشروع خط أنابيب غاز إقليمي يربط بين نيجيريا عبر عدد من الدول الأفريقية في اتجاه المغرب ومنه إلى أوروبا، ويهدف إلى تعزيز التنمية في كل الدول التي يمر عبرها خط الغاز. كما تشكل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين إطارا رسميا لتعزيز العلاقات، والتزاما رئيسيا من جانب اثنين من أكبر اقتصادات أفريقيا بالتعاون في المبادرات الإقليمية التي من شأنها أن تساهم في تنمية القارة.
لقد صنعت المملكة بكل مؤسساتها اختراقا دبلوماسيا كبيرا بتحويل هذه الدولة الأفريقية عداءها لوحدة المملكة المغربية إلى تعليق اعترافها ببوليساريو، والأدوار التي تلعبها سفارة المغرب في هذا البلد مطالبة بالكثير لدعم المبادرات التي يشرف عليها الملك محمد السادس وتنفيذ حلول مبتكرة لتطوير وتدعيم الشراكة بين البلدين بشكل أكبر.
يبدو أن سفيرة المغرب إيمان واعديل، التي قدمت أوراق اعتمادها كسفيرة مفوضة فوق العادة للملك محمد السادس في غانا في سبتمبر 2019، تعي مسؤولياتها الكبيرة قبل وبعد سحب الاعتراف ببوليساريو، ومن الواضح حسب البروفايل الذي تحمله، أنها مطالبة بمواكبة تحدي البلدين لتحقيق النجاح الثنائي التجاري والاقتصادي والسياسي في أفريقيا.
هناك 17 دولة من دول الاتحاد الأفريقي لا تزال محتفظة بعلاقات مستمرة مع الجبهة الانفصالية لأسباب تتعلق بمصالحها مع النظام الجزائري، لكن هذا لا يلغي أن الإستراتيجية المغربية نجحت في تقليص جغرافيا الاعترافات بالكيان الانفصالي. ونعود إلى غانا، ونقول إن أهمية تجميد اعترافها ببوليساريو له وقع دبلوماسي وسياسي كبير نظرا لموقع هذا البلد وإمكانياته وطموحاته ووزنه الديموغرافي، وبالتالي نجحت الدبلوماسية المغربية في ضمه إلى قائمة المؤيدين لموقف المملكة بعد إقناع العديد من دول الاتحاد الأفريقي بفتح قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، هنا نتحدث عن 21 دولة.
لقد انتظرت غانا سبع سنوات لإنضاج قرارها بعد زيارة الملك محمد السادس في العام 2017، والتوقيع على اتفاقيات مهمة في مبادرة كبرى لتعميق العلاقات الثنائية، حيث أعلن صندوقا الثروة السياديان للمملكة المغربية وجمهورية غانا عن توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية ومذكرة تفاهم لتشجيع الاستثمارات المشتركة في القطاعات الرئيسية، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة، وتوفير الإرادة السياسية لإدارة الموارد وتعزيز شراكة إستراتيجية للتنمية الإقليمية.
◙ سحب الاعتراف ببوليساريو جاء بعد التيقن تماما من مصداقية المملكة المغربية ورسوخ دفاعها عن مستقبل تنموي لعموم أفريقيا
لقد أخذ البلدان وقتهما في إرساء الثقة بعد أن برزت مؤشرات قوية على ما يمكن أن يصنعاه كلاعبين رئيسيين في تعزيز الشراكات الأفريقية وتطوير العلاقات في مختلف القطاعات، من التجارة والاستثمار إلى تطوير البنية الأساسية والتعاون الصناعي، كمحفز لنمو الأعمال وخلق فرص العمل وإطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية لأي صناعة تتطلع إلى توسيع نطاقها داخل أفريقيا. ويدرك البلدان الإمكانات الهائلة للمزيد من التوسع في مجالات البناء والزراعة والطاقة والبنية الأساسية.
سحب الاعتراف ببوليساريو جاء بعد التيقن تماما من مصداقية المملكة ورسوخ دفاعها عن مستقبل تنموي لعموم أفريقيا، وهذا جزء من الإستراتيجية الإقليمية الأوسع نطاقا التي يتبناها الملك محمد السادس، عندما أعلن أن أفريقيا تشكل الأولوية القصوى في السياسة الخارجية للمغرب، حيث تساهم المملكة في مشاريع التنمية التي تعمل بشكل مباشر على تحسين حياة الناس في المنطقة.
ماذا تفعل بوليساريو داخل الاتحاد الأفريقي؟ الجواب تتضمنه الاعترافات المتتالية لدول أفريقيا بسيادة المغرب على صحرائه، آخرها الصفعة المدوية لغانا على خد الانفصاليين. وبالتالي فقد حان وقت تغيير النظام الداخلي للاتحاد الأفريقي، حتى يتسنى لهذه المنظمة إعفاء بوليساريو من حضورها الذي لم يكن سوى سراب لا فائدة منه، فلم تكن يوما دولة قائمة الذات والأركان، ولم تعترف بها منظمة الأمم المتحدة شريكا، ولا حدود تملكها، ولا اقتصاد تنافس به، بل تعيش على المساعدات التي تنهبها القيادة وتبني بها القصور خارج المخيمات. فهل حان موعد إفراغ كرسي انفصالي لا فائدة تُرجى من الجالس عليه داخل الاتحاد الأفريقي؟