تناقضات «الجزائر الجديدة»: بين شعارات «الإنجازات» وواقع التقهقر
في افتتاحية عدد يناير 2025 من مجلة الجيش الجزائري، قدم النظام العسكري الحاكم في الجزائر سردا مفعما بالشعارات حول ما يسميه بـ«الجزائر الجديدة»، التي يزعم أنها تشق طريقها نحو « الريادة والازدهار ». لكن على أرض الواقع، وبعيدا عن الأحلام الوردية لحكام « العالم الآخر »، فإن الواقع يكشف صورة مغايرة تماما تعكس فشل السياسات العامة للنظام العسكري وازدياد التدهور على مختلف الأصعدة.
تصور الافتتاحية الجزائر كدولة متماسكة وقوية، تحقق « إنجازات غير مسبوقة » في شتى المجالات. لكن هذه الادعاءات تتناقض بشكل صارخ مع الحقائق اليومية التي يعيشها الشعب الجزائري، حيث يعاني الاقتصاد من ركود خانق، ويشهد المجتمع تصاعدًا في معدلات البطالة والفقر. أما البنية التحتية، فتعاني من الإهمال والتدهور، في وقت تتراجع فيه الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.
على الرغم من هذه الإخفاقات، يصر النظام على الترويج لصورة « جزائر منتصرة »، معتمدا على سردية « المؤامرة الخارجية » لتبرير عجزه. يُظهر هذا الخطاب محاولة لصرف الأنظار عن الفشل الداخلي من خلال إلقاء اللوم على « أعداء الجزائر »، وهي المشجب الذي لا يمل حك دون تقديم أي أدلة ملموسة لدعم هذه المزاعم.
صدامات إقليمية وفشل السياسات الأمنية
بينما تروج مجلة الجيش لما تصف بـ »إنجازات القوات المسلحة في حماية الحدود ومكافحة الإرهاب »، تظهر الحقائق على الأرض صورة مغايرة، تعكس إخفاقات النظام العسكري في تحقيق الأمن والاستقرار داخل البلاد وعلى المستوى الإقليمي. فقد أدى تدخل الجزائر في الشؤون الداخلية لدول الجوار، لا سيما مالي وليبيا، إلى توتر علاقاتها مع هذه البلدان وتفاقم الأوضاع الأمنية.
هذه الصدامات الإقليمية تعكس غياب رؤية لدى النظام العسكري لإدارة الملفات الأمنية والدبلوماسية.
وعلى الصعيد الداخلي، تتناقض الشعارات المرفوعة حول « جزائر مزدهرة ورائدة » مع الواقع المأزوم. فما زالت البلاد تعتمد بشكل كبير على الريع النفطي الذي يتعرض لضغوط مستمرة بفعل تقلبات الأسواق العالمية، دون تحقيق أي تقدم ملموس في تنويع الاقتصاد أو تطبيق سياسات تنموية مستدامة. هذا التراجع يعمق من الإحباط الشعبي الذي يستشري وسط المواطنين في ظل استمرار أزمات الطوابير بسبب نقص المواد الغذائية الأساسية.
وفي ظل هذا المشهد، تبدو الجزائر عالقة بين تناقضات خطاب السلطة وإخفاقاتها الميدانية، وسط ضغوط شعبية وإقليمية متزايدة تطالب بتغيير جذري في النهج (الفاشل) الذي تقوده المؤسسة العسكرية منذ عقود.
تضليل إعلامي ودعاية موجهة
تسعى مجلة الجيش إلى تقديم صورة مثالية عن النظام العسكري، متجاهلة الانتقادات الداخلية والخارجية بشأن قمع الحريات وغياب الديمقراطية.
إذ تعتمد هذه الدعاية على تكرار مصطلحات مثل « السيادة » و« الثبات »، لإقناع الجزائريين بأن مشاكلهم ناجمة عن تدخلات خارجية، وليس نتيجة لسياسات داخلية كارثية.
إصرار على الحكم رغم الرفض الشعبي
في الوقت الذي يواصل فيه النظام العسكري الحاكم في الجزائر التمسك بالسلطة، تتصاعد الحملة الشعبية الرقمية المطالبة بتنحي العسكر عن المشهد السياسي. عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بات هاشتاغ «#مانيش_راضي» أيقونة للاحتجاج الشعبي الرقمي، حيث يعبر الجزائريون عن رفضهم لهيمنة الجيش على مقاليد الحكم. يصر النظام على تجاهل هذه الأصوات المعارضة، معتبراً إياها امتدادا « لمؤامرات خارجية »، دون إدراك أن هذا الحراك يعكس رفضًا داخليًا متزايدًا لسياسات الإقصاء والاستبداد.
ورغم محاولات قمع التعبير عن الرأي من خلال اعتقالات النشطاء والمعارضين ومراقبة الإنترنت، يستمر الجزائريون في المطالبة بالحرية والديمقراطية، مما يعكس إصرارا شعبيا على تغيير المعادلة السياسية المفروضة بقوة السلاح.