الجامع الكبير بباريس.. «مكة» الكراهية بين أفراد الشتات الموجهة من نظام الجزائر في فرنسا
تحت الانتقاد لدوره في تجنيد « مؤثرين » مقيمين في فرنسا يدعون لقتل المعارضين الجزائريين في الخارج ولتنفيذ هجمات في فرنسا، أطلق شمس الدين حفيظ، مدير الجامع الكبير بباريس والمتحدث البارز باسم النظام الجزائري في فرنسا، هجوما لاذعا على شخصيات معارضة قامت بفضح أفعاله. وفي خطوة تنم عن سوء نية، لم يتردد هذا المحامي السابق في استخدام الدين ضد منتقديه وخلط نفسه مع الجالية المسلمة بأكملها في فرنسا.
هناك مواقف تترك المرء في حالة من الذهول، ومنها موقف شمس الدين حفيظ، المدير الجزائري لجامع باريس الكبير، وهي مؤسسة تخضع للقانون الفرنسي ومن المفترض أن تمثل الجالية المسلمة بأكملها في فرنسا. حفيظ وُضع في مرمى الانتقادات بسبب دوره النشط في تجنيد أفراد من الجالية الجزائرية في فرنسا، بهدف الترويج للنظام الجزائري، وخصوصا التحريض على الكراهية والعنف والاعتداءات على الأصوات المنتقدة للنظام على الأراضي الفرنسية. بدلا من الدفاع عن نفسه أو دحض هذه الاتهامات، اختار حفيظ الهجوم على هذه الأصوات المنتقدة.
في بيان صادر عنه ردا على الاعتقالات الأخيرة في فرنسا التي طالت مؤثرين حرضوا على نشر الرعب داخل البلاد بإيعاز من نظام يعاني من أزمات داخلية بسبب الدعم الفرنسي الثابت لسيادة المغرب على صحرائه، بالإضافة إلى فضيحة سجن الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر، شن شمس الدين حفيظ هجوما لاذعا على بعض رموز المعارضة، بدءا بالناشط الجزائري شوقي بن زهرة، الذي وصفه بـ«المدون المغمور».
ما خطأ بن زهرة؟ ببساطة، أنه حذر من الطبيعة المنهجية والمنظمة لدعوات الكراهية الصادرة من الجزائر. بن زهرة أكد دون شك أن هذه الدعوات جزء من حملة مدبرة تنفذها وسائل إعلام متحالفة، يقودها «آلاف» من المؤثرين المزعومين بهدف بث الرعب.
وقال بن زهرة: «يجب تسليط الضوء أيضا على جامع باريس الكبير الذي يستضيف هؤلاء المؤثرين ويمولهم. لا يمر شهر دون أن يسافر مدير جامع باريس إلى الجزائر للقاء الرئيس تبون. نحن أمام أجندة جزائرية واضحة تنفذ على الأراضي الفرنسية عبر جامع باريس الكبير، الذي أصبح أداة لخدمة حملة زعزع ة استقرار فرنسا». أدلى بن زهرة بهذا التصريح يوم الأحد 5 يناير على قناة CNews.
هذا التصريح كان كافيا ليدفع شمس الدين حفيظ إلى إصدار «فتوى» ضد بن زهرة، متهما إياه ومعه «بعض الشخصيات الهابطة المستوى» بنشر الأكاذيب والتحريض.
لم تتأخر وسائل الإعلام الجزائرية في تضخيم التصريحات المعارضة، حيث وسّعت « القائمة السوداء » للأصوات التي لا تستطيع الجزائر تحمل سماعها. وكان موقع « الجزائر54، الذي يُمثل لسان حال الجهاز العسكري الحاكم، قد أضاف الصحفي والكاتب محمد سيفاوي إلى قائمة المستهدفين، بسبب تصريحاته عبر قناة LCI الفرنسية، والتي هاجم فيها « التمثيلات الجزائرية في فرنسا، مثل مسجد باريس الكبير »، متهماً إياها بـ«شن حرب ضد فرنسا لصالح الجزائر». وكما حدث مع الكاتب بوعلام صنصال، وُصف سيفاوي أيضا بـ«اللص».
يثير ذلك استغرابا شديدا، حيث يكشف النظام الجزائري عن ازدواجية خطيرة عندما يعتبر مسجد باريس الكبير « تمثيلا جزائريا »، في حين أنه مؤسسة خاضعة للقانون الفرنسي، وتمثل جميع المسلمين في فرنسا. وتواصل وسائل الإعلام الجزائرية استخدام خطابها العدائي، حيث ورد في أحد التقارير: « آلة الدعاية الاستعمارية الجديدة التي يقودها النظام الفرنسي المنهار لا تتوقف عن تصعيد الهجوم ضد الجزائر ومؤسساتها وقادتها ورموزها ».
من جهته، لم يفوت شمس الدين حافظ، رئيس مسجد باريس الكبير، الفرصة لمهاجمة السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر، كزافييه دريانكور، المعروف بمواقفه « العدائية ضد الجزائر ». وبدلا من الرد على الانتقادات التي طالت شخصه وعلاقاته بالنظام الجزائري والرئيس عبد المجيد تبون، اختار حافظ تحويل النقاش إلى هجوم على قناة CNews الفرنسية، متهما إياها بـ »التمييز ضد جميع المسلمين في فرنسا ونشر سموم اليمين المتطرف».
وفي محاولة لتبرير موقفه، شدد حافظ على «العلاقات التاريخية القوية » بين الجزائر ومسجد باريس، وهي علاقة يُرجح أنه يشير بها إلى الفترة منذ توليه رئاسة المسجد في 11 يناير 2020، والتي حول خلالها المؤسسة إلى « مكتب جزائري »، ما جعله يبدو كالسفير الفعلي للجزائر في باريس.
وفقاً للصحفي واليوتيوبر الجزائري المنفي في فرنسا عبدو سمار، فقد استقبل تبون رئيس مسجد باريس في ثماني مناسبات رسمية على الأقل، دون احتساب المكالمات الهاتفية والاجتماعات المتكررة مع كبار المسؤولين الجزائريين. في المقابل، تتلقى المؤسسة دعما ماليا سخيا من الجزائر، يتراوح بين 1.2 و2 مليون يورو سنويا، بالإضافة إلى حصولها على عقود مربحة، مثل احتكارها منذ يوليو 2023 لشهادة « الحلال » لجميع اللحوم الحمراء المستوردة من الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر.
ورغم هذا الدعم الكبير، يواجه مسجد باريس الكبير اتهامات بعدم الشفافية في إدارة أمواله، حيث لم يُنشر أي تقرير مالي ولم يُعرف شيء عن سجلات الإنفاق، في ظل تجاهل السلطات الفرنسية لهذه التجاوزات. كما تحول المسجد إلى مركز للدعاية الانتخابية لصالح تبون خلال الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في سبتمبر 2024.
وفي ظل هذه الظروف، أصبح المسجد الكبير منصة لتهديد المعارضين الجزائريين المقيمين في فرنسا، وهو ما دفع السلطات الفرنسية إلى اتخاذ إجراءات صارمة، شملت اعتقالات في صفوف المتورطين في جرائم إلكترونية. وتشير كافة الدلائل إلى أن مصدر هذه التهديدات هو الجزائر.
وفي خطوة غير مسبوقة، أدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النظام الجزائري، مطالبا إياه بالإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صنصال، واصفا احتجازه بأنه « عار ». خلال خطاب ألقاه أمام السفراء الفرنسيين، أشار ماكرون إلى أن الجزائر أصبحت « نظاما مارقا لا يستحق حتى وصفه بالمافيا »، لأن الأخيرة على الأقل « تلتزم بقواعد شرفها الخاصة ».