التعديلات الأخيرة لمدونة الأسرة المغربية: بين مخالفة الشرع وتفسير المجلس العلمي الأعلى

بوشعيب البازي

شهدت التعديلات الأخيرة على مدونة الأسرة المغربية جدلًا واسعًا في الأوساط المجتمعية، حيث رأى العديد من المراقبين أنها تنطوي على مخالفات صريحة لأحكام الشريعة الإسلامية. هذه التعديلات صادق عليها المجلس العلمي الأعلى، الذي يُعتبر المؤسسة الدينية الرسمية المسؤولة عن الإفتاء في المملكة المغربية، ويرأسه الملك محمد السادس. ويتجلى دور المجلس في ضمان الأمن الروحي للمغاربة وحماية الثوابت الدينية للأمة، مثل العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي، استنادًا إلى المادة 41 من الدستور المغربي.

رغم أهمية المجلس ودوره المحوري، فإن التعديلات الجديدة تثير تساؤلات عميقة حول مدى التزامها بالنصوص الشرعية. أبرز النقاط التي أثارت جدلًا هي إيقاف بيت الزوجية عن الدخول في التركة، وهو ما يخالف قوله تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ” (النساء: 11). وفقًا للشرع، الميراث حق مقدر من الله لجميع الورثة، ولا يجوز استثناء أي جزء من التركة إلا بنص شرعي، ما يجعل هذا التعديل باطلًا.

من التعديلات المثيرة للجدل أيضًا، اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المشتركة، مما يمنحها حق اقتسام الممتلكات عند الطلاق. إلا أن الشريعة تؤكد استقلال الذمة المالية للأفراد، كما ورد في قوله تعالى: “لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ” (النساء: 32). فرض مثل هذا الاقتسام دون اتفاق مسبق يُعد تعديًا على أصول الذمة المالية.

أما مسألة الزواج بدون حضور الشهود المسلمين فتُعد مخالفة صريحة للسنة النبوية، حيث قال النبي ﷺ: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”. وهذا الشرط لا يترك مجالًا للجدل حول أهمية الشهادة من مسلمين عدول لضمان صحة عقد الزواج.

تخويل الأم الحاضنة النيابة القانونية عن أطفالها جاء أيضًا كأحد التعديلات المثيرة، إذ يتناقض مع الآية الكريمة: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ” (النساء: 34)، التي تؤكد أن الولاية الشرعية للأب، إلا في حالة وفاته أو فقده للأهلية.

التعديلات المتعلقة بالنفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها تُثير إشكاليات أخرى. الشريعة تنص على أن النفقة تجب بعد تمكين الزوجة نفسها للزوج، وهذا مستند إلى رأي الجمهور، ما يجعل التعديل الجديد مخالفًا للأصل الشرعي.

جعل ديون الزوجين المشتركة مقدمة على غيرها من الديون يتعارض مع مبدأ استقلال الذمة المالية، حيث قال النبي ﷺ: “لا يجني جانٍ إلا على نفسه”. هذا التعديل يُحمّل أحد الطرفين ديونًا لم يلتزم بها شرعًا.

أخيرًا، تعديل بقاء الحضانة للأم المطلقة رغم زواجها يُعد تجاوزًا لحديث النبي ﷺ: “أنت أحق به ما لم تنكحي”. الزواج يسقط حق الأم في الحضانة عند جمهور العلماء، لأن الأولوية تصبح لمصلحة الطفل.

رغم تبريرات المجلس العلمي الأعلى، فإن هذه التعديلات تبدو متعارضة مع النصوص الشرعية القطعية والثوابت الإسلامية. إن الالتزام بالقرآن والسنة يظل ضرورة لحماية المنظومة الأسرية وضمان توافقها مع أحكام الشريعة، مما يفرض مراجعة هذه التعديلات لضمان عدم تعارضها مع النصوص القطعية أو الإجماع الشرعي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: