تُظهر أحدث المؤشرات بشأن نمو حصيلة الضرائب الطوعية في المغرب أنها ساهمت في تعزيز الملاءة المالية لخزينة الدولة، في ظل سعي دؤوب من الحكومة لجعلها أحد الموارد المستدامة التي تحافظ على التوازنات في الميزانية العامة، وفق خطة لضم السيولة في القنوات الرسمية.
حققت عملية الضريبة الطوعية أرقاما مهمة بعدما سارع الكثيرون إلى تسوية وضعياتهم عبر تقديم الإقرار لدى الإدارة الجبائية وأداء المساهمة المتعلقة بالمنقولات أو العقارات أو مبالغ السلفات المدرجة في الحسابات الجارية وأيضا القروض.
وتعول السلطات على هذا المسار من أجل التخفيف من الخسائر الناتجة عن التهرب الضريبي وتعبئة موارد الدولة، في وقت يشهد فيه اقتصاد البلاد نموا لم يرتق للمستويات المعتادة جراء تأثره بالأزمات الخارجية والاحتباس الحراري.
وحسب معطيات المديرية العامة للضرائب تجاوزت أرقام العملية التي حددت نهايتها في آخر أيام 2024 حوالي 110 مليارات درهم (10.5 مليار دولار) تم ضخها في البنوك أو مباشرة عبر الخزينة العامة، أو التصريح بها كسيولة جارية أو منقولات أو عقارات.
وكانت أغلب المبالغ المتحصلة سيولة مالية خارج سياق القنوات الرسمية في الاقتصاد، ما جعل البنوك والخزينة العامة تستقبل مبالغ وصفها مصدر مصرفي بغير المتوقعة خصوصا خلال الأربعة أيام الأخيرة من تاريخ انتهاء مهلة التسوية.
وأطلقت مديرية الضرائب، في إطار ميزانية 2024، مبادرة “التسوية الطوعية للوضعية الجبائية للأشخاص الطبيعيين”، التي تستهدف المواطنين الذين لم يصرحوا بممتلكاتهم أو أموالهم المكتسبة خلال كامل العام الماضي.
كما ستقلص هذه العملية من مخاطر غسل الأموال “النائمة” و”الكاش” المتداول الذي تجاوزت قيمتها 400 مليار درهم (40.3 مليار دولار)، وهي تمثل 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفق محافظ البنك المركزي عبداللطيف الجواهري.
وتعتبر التسوية الطوعية إجراء يسمح للأفراد الذين لم يصرحوا سابقا بشكل كامل أو صحيح عن أرباحهم أو ممتلكاتهم بتسوية وضعيتهم الجبائية بشكل طوعي ودون التعرض للعقوبات، أو المراجعات الضريبية المستقبلية.
وكانت مديرية الضرائب قد أكدت في بيان أن “إجراء التسوية الطوعية يأتي حتى يتمكن الأشخاص المعنيون بتسوية وضعيتهم من تقديم الإقرار لدى الإدارة الجبائية وأداء المساهمات المتعلقة” بما يملكونه.
وقالت إن “الأشخاص المعنيين، والذين يقومون بإجراءاتهم لدى المؤسسات البنكية، بأنه بالإضافة إلى الودائع المودعة في الحسابات أو الدفعات المرتبطة بالتصريحات الجارية، فإن لهذه المؤسسات الصلاحية بقبول تصريحاتهم أيضا استنادا إلى التدفقات المالية التي مرت سابقا عبر حساباتهم.”
وتمت غالبية عمليات التسوية بالمدن الكبرى منها الدار البيضاء وطنجة وأغادير ومراكش، حيث ضخ رجال أعمال في مجالات متعددة ملايين الدراهم في خزينة الدولة ضمن عملية التسوية الطوعية، أغلبهم في مجال العقار والتجارة غير المهيكلة.
كما توجد فئة كبيرة ممن يسمى بـ”المؤثرين” على مواقع التواصل الاجتماعي ممن تحصلوا على ملايين الدراهم سنويا دون أن تخضع مداخيلهم للضريبة.
40.3 مليار دولار السيولة النقدية المتداولة نقدا والتي تمثل نحو 30 في المئة من حجم الاقتصاد
ومن خلال هذه التسوية، سيحصل جميع المواطنين المغاربة، سواء المقيمين داخل البلاد أو خارجها، الذين يمتلكون أموالا أو اقتنوا عقارات خلال الفترة المذكورة، على وصل رسمي من مديرية الضرائب يثبت تصفية وضعه الضريبي بشكل نهائي.
ويؤكد رشيد الساري رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، أن هناك أربع نقاط لا تدخل في عملية التسوية الطوعية الضريبية، وهي الأموال المدخرة للموظفين والعمال الذين يشتغلون في القطاعين العام والخاص.
وقال في تصريح لـه إن “هذه الأموال كانت خاضعة للضريبة على الدخل، والأموال المتأتية من الإرث، بالإضافة إلى الأموال المصرح بها، والأموال الناتجة عن تعويضات الحوادث أو مصدرها صناديق التأمين.”
وأوضح ساري أنه في حالة عدم قيام الأشخاص بالتصريح بممتلكاتهم النقدية والعينية، ستقوم الدولة بتفعيل “التضريب الأولي” وهو خصم حوالي 30 في المئة، وإذا كانت المبالغ كبيرة فستصل إلى 37 في المئة كضريبة على الدخل.
ويسرّع المغرب من وتيرة خطواته لتعديل أوتار النظام الضريبي ضمن خطط إصلاح الاقتصاد بهدف تحقق العدالة الجبائية وتعزيز العوائد المالية مع مراعاة تخفيف الضغوط المالية على الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل وتقديم إعفاءات للشركات لدعم بيئة الأعمال.
ويقول يوسف الفيلالي رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير أن الدولة قامت بتلك الإجراءات من أجل تحقيق اندماج الاشخاص الذين يعملون في القطاع غير الرسمي وأصحاب الأنشطة الاقتصادية غير المصرح بها، سواء في قطاعات الفلاحة أو الصناعة أو الخدمات داخل دورة الاقتصاد الرسمي.
وتعد مداخيل عملية التسوية الضريبية بشكل طوعي في الميزانية الماضية هي الأهم قياسا بالعملية، التي أطلقها رئيس الحكومة السابق عبدالإله بن كيران سنة 2014 ووصفها بـ”عفا الله عما سلف”، حيث دخلت خزينة الدولة 28 مليار درهم (2.68 مليار دولار).
أما العملية الثانية فكانت في إطار عملية التسوية التلقائية برسم الممتلكات والموجودات المنشأة بالخارج لسنة 2020 والتي أدت إلى تحصيل قرابة 5.93 مليار درهم (570 مليون دولار).
وتوجه العديد من رجال الأعمال وأصحاب المشاريع الغير مصرح بها ضريبيا إلى المديريات العامة لإدارة الضرائب في مختلف جهات وأقاليم البلاد من أجل تسوية وضعيتها قبل نهاية سنة 2024.
والتصريح الطوعي لهذه التسوية التي أصدرتها الحكومة ضمن ميزانية 2024 شكل آخر فرصة للتصريح بالأموال والعقارات والمنقولات والسلفات المدرجة في الحسابات الجارية للشركاء أو في حساب المستغل والقروض الممنوحة للغير.
ويشير ساري إلى أن المؤسسات البنكية ستحافظ على سرية المعطيات، ولن تصرح بأسماء الذين وضعوا أموالهم خلال هذه العملية الضريبية، لأن الحفاظ على خصوصيات المصرحين من الواجبات التي تقع على عاتقها.
وقال إن “هذه العملية ليست هي الأولى في تاريخ المغرب، وإنما كانت هناك عملية خلال سنة 2020، لكن لم يكتب لها النجاح بسبب التحديات التي رافقت جائحة كورونا.”
وأضاف “هذه العملية ستحدد مصدر الأموال غير الخاضعة للضريبة، علما أن الأموال التي تروج دون مصدر تصل إلى 800 مليار درهم (76.62مليار دولار).”
وتشدد السلطات منذ سنوات على ألا يظل أي قطاع أو نشاط خارج نظام الضرائب لأن المبدأ يستوجب على كافة دافعي الضرائب تقديم تصريحاتهم، حتى وإن كانوا معفيين أو خاضعين لمستوى صفر من الضريبة