تستعد مدينتا سبتة ومليلية المحتلتان لدخول وضع جديد، في الأيام القادمة، بفتح الجمارك المغربية – الإسبانية بعد طول انتظار، وهو ما يرى مراقبون أنه يسهم في إنهاء ركود اقتصادي أرّق سلطات المدينتين، منذ إيقاف المغرب ما كان يسمى بـ“التهريب المعيشي” بشكل نهائي.
بعد مفاوضات دامت عامين وثمانية أشهر، يقترب المغرب وإسبانيا من استكمال آخر مراحل الترتيبات لفتح الجمارك في سبتة ومليلية خلال الأيام المقبلة، في خطوة لاستئناف النشاط التجاري بين البلدين.
وقالت المندوبة الحكومية بمدينة مليلية المحتلة، صابرينا موح، الخميس، إن “الحكومة الإسبانية تعمل بالتنسيق مع المغرب على إعادة فتح الجمارك التجارية في أقرب وقت ممكن”، مؤكدة خلال تصريحات صحافية، “التزام الحكومة بإعادة فتحها بما يضمن تحقيق كافة الضمانات.”
وشددت المندوبة على “أهمية التعاون بين المغرب وإسبانيا لتنفيذ إجراءات منسقة،” مبرزة أن “الجمارك التجارية لن تعود بالشكل السابق، بل ستشهد تحديثات تتماشى مع معايير القرن الحادي والعشرين.” مضيفة “نتبع خطوات دقيقة للوصول إلى نتائج مثالية، وسيتم تنفيذ هذا التغيير تدريجيًا حتى تحقيق التطبيع الكامل.”
وحذر رئيس مليلية، خوان خوسيه إمبرودا، من الشروط التي يُقال إن المغرب قد وضعها لإعادة فتح الجمارك التجارية، وتتضمن هذه الشروط السماح بإدخال مواد بناء وفواكه وخضروات وأسماك إلى المدينة، مقابل مرور بضائع محددة وفق ما تقرره السلطات المغربية.
وقال إمبرودا في تعليقه “إذا كانت إعادة الفتح ستتم وفقًا لهذه الشروط، فمن الأفضل عدم اتخاذ أي خطوة، معتبرا أن هذا النهج يُعد خطأ جسيمًا قد يؤدي إلى تنازل عن السيادة الاقتصادية والسياسية لصالح المغرب.”
وشكل تحديد موعد افتتاح مكتب للجمارك التجارية بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، نُقطة خلافية بين الرباط ومدريد على مدى عامين بعدما أقر الرباط بوجود إخلالات تقنية، على الرغم من العلاقات المتميزة بين البلدين والتزامات المملكة ضمن خارطة الطريق الموقعة بين المملكتين خلال لقاء العاهل المغربي الملك محمد السادس ورئيس الوزراء بيدرو سانشيز في السابع من أبريل 2022.
وسبق لوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة أن أكد أن “المغرب واعٍ بالتزاماته المشتركة والمنصوص عليها ضمن خارطة الطريق، ولم يتراجع عنها في أي وقت من الأوقات، وأن المملكتين أجريتا ثلاث تجارب على الأقل منذ مارس الماضي أسهمت في الخروج بمجموعة من الخلاصات والدروس التي تصُب في مسألة فتح الجمارك التجارية في المدينتين،” موردا أن “الأساسي اليوم هو أن الرباط ومدريد يشتغلان بشكل إيجابي بغرض الوصول إلى صيغة تجعلهم ينفذون جميع الالتزامات دون الرجوع إلى الوراء،” مضيفا أن “المشكل الذي كان مطروحا بسبب التهريب المعيشي، والصورة التي كانت تعطى على عبور الأشخاص كانت “غير مرضية.”
ونجح المغرب في فرض شروطه لإعادة فتح الجمارك التجارية وفقا لتصوراته الإقليمية، والتي كان يدافع عنها منذ أن التزم في عام 2022 بإعادة فتح الجمارك، حيث شمل الاتفاق، وفقا لهذه الرؤية، السماح فقط بمرور المنتجات المصنعة في مليلية عبر الجمارك، دون السماح باستيراد أي منتجات أخرى إلى المغرب عبر المدينة، ما يعني أن المستوردين المغاربة سيكون عليهم استيراد بضائعهم عبر الموانئ المغربية وليس مليلية.
وأفاد خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية، أنه “بعد فتح المعابر لن تعود ظاهرة التهريب المعيشي، لاعتبارات كثيرة أهمها أن المغرب لن يغيّر موقفه من واقع احتلال المدينتين من طرف إسبانيا، وهو موقف حكومي رسمي وشعبي، مع وضعه إستراتيجيات اقتصادية بديلة في المناطق المحاذية للمعابر الحدودية، سواء في محيط مليلية أو منطقة مارتشيكا، مع إحداث أنشطة تجارية في منطقة المضيق”.
المغرب نجح في فرض شروطه لإعادة فتح الجمارك التجارية وفقا لتصوراته الإقليمية
وبحسب صحيفة “إلفارو دي مليلية”، فإن مندوبة الحكومة تواصلت مع عدد من رجال الأعمال المحليين خلال الأيام الماضية لإبلاغهم بأن النشاط التجاري مع المغرب سيُستأنف قريبا عبر الجمارك، وأعرب زعيم حزب الشعب في مليلية، خوان خوسيه إمبرودا، عن رفضه لهذه الشروط، معتبرا أن “فرض قيود على المنتجات المسموح تصديرها إلى المغرب أمر ضار للغاية بمصالح مليلية،” مشيرا إلى أن “عدم وجود جمارك تجارية أفضل من القبول بمثل هذه الشروط.”
ووفق ما جاء في مخرجات لقاء جمع بين ممثلي رجال الأعمال المحليين ومندوبة الحكومة المحلية، فإن الاتفاق المرتقب يسمح للمغرب بتصدير منتجاته إلى مليلية، مثل الفواكه والخضروات والأسماك، مقابل السماح بدخول بعض المنتجات إلى المغرب عبر الجمارك، التي ستحددها السلطات المغربية بناء على معايير لم يُفصح عنها بعد.
ونقلت وسائل إعلام مختلفة مثل “الباييس”، عن رجال الأعمال المحليين أن المغرب لن يعتمد نظام المسافرين التقليدي، حيث سيظل منع إدخال أي منتجات عبر الحدود البرية في بني أنصار، بما في ذلك زجاجات المياه، كما لن يُسمح بدخول سوى المنتجات التي يرى المغرب أنها ذات أهمية، ليكون المغرب قد تمكن في نهاية المطاف من تنفيذ اتفاق جمركي بشروط إقليمية، وهو ما كانت تطالب به الرباط منذ تعهدها بإعادة فتح الجمارك التجارية، ما يعني أن المغرب سيسعى إلى ضمان أن المنتجات المصنعة في مليلية فقط، هي التي يمكنها المرور عبر الجمارك من خلال اتفاقية إقليمية.
وحاول الحزب الشعبي المعارض، استغلال هذا الملف للنيل من غريمه حزب العمال الاشتراكي الحاكم، حيث تقدم بمقترح قانون يتضمن أربعة محاور رئيسية، أبرزها مطالبة الحكومة المغربية بالوفاء بتعهداتها لفتح الجمارك التجارية وتحديد موعد لذلك، بشكل فوري، مع تشجيع الاستثمارات التعويضية لتخفيف الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالمدينتين.
واعترض حزب العمال الاشتراكي مطالباً بتعديلات تركز على ضرورة الحفاظ على سياسة الدولة الحالية مع المغرب، التي وصفها بأنها “حيوية” للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في سبتة ومليلية، وإيجاد نموذج حدودي يضمن النظام والسيطرة على عبور الأشخاص والبضائع، مع استمرار الحوار والتعاون مع المغرب.