أزمة جديدة بين الجزائر وباماكو بعد جدل بشأن تصنيف الأزواد إرهابية
شنت حكومة مالي هجوما لاذعا على الجزائر، ردا على تصريحات وزير خارجيتها أحمد عطاف بشأن رفض بلاده تصنيف باماكو حركات الأزواد شمال مالي، والموقعة على اتفاق الجزائر للسلام، بـ”التنظيمات الإرهابية”، واعتبرتها تدخلا في الشؤون الداخلية لمالي، في طور جديد يعكس استمرار الأزمة السياسية القائمة بين البلدين منذ الانقلاب الذي أطاح بالرئيس أبوبكر كيتا في يوليو 2023.
وقالت وزارة الخارجية مالية، في بيان لها مساء الأربعاء، إنها علمت من خلال الصحافة، وبدهشة شديدة، تصريحات وزير الخارجية الجزائري، التي علق فيها مرة أخرى على استراتيجية مالي في مكافحة الإرهاب.
وأوضح البيان أن تصريحات وزير الخارجية الجزائري يتقاطع مع مضمون البيان رقم 064 الصادر عن الحكومة الانتقالية المالية في 25 يناير 2024. والذي كان قد أدان تقارب الجزائر وتواطؤها مع الجماعات الإرهابية التي تزعزع استقرار مالي، والتي قدمت لها الدعم والغطاء. في إشارة منها إلى حركات الأزواد التي تتمركز في منطقة شمال مالي، قرب الحدود مع الجزائر.
وتصنف مالي حركات الأزواد “تنظيمات إرهابية”، وقد هاجمت في وقت سابق نقاط تمركزها قرب الحدود الجزائرية.
واعتبر البيان أن النجاحات التي حققتها القوات المسلحة والأمنية المالية، بالإضافة إلى الضغط الذي مارسته على الجماعات الإرهابية المدعومة من الجزائر، لا تجد صدى لدى بعض المسؤولين الجزائريين الذين يعيشون في ذكريات الماضي.
وعبرت الخارجية مالية، عن بالغ قلقها إزاء استمرار السلطات الجزائرية في التدخل في الشؤون الداخلية لجمهورية مالي، بتصرفات تتسم بالوصاية، والتعالي، والازدراء”.
وكما نددت بأشد العبارات بهذا التدخل الجديد للجزائر في الشؤون الداخلية لمالي، من خلال وزير في الحكومة الجزائرية، وتذكر بأنّ الخيارات الاستراتيجية لمحاربة الجماعات الإرهابية المسلحة تقع حصراً ضمن سيادة مالي واختيارات اتحاد دول الساحل”.
وفي هذا السياق، قالت وزارة الخارجية المالية، إن جمهورية مالي ليست في حاجة ولا ترغب في تلقي دروس من الجزائر التي قادت، في وقت قريب، نضالها ضد الإرهاب بسيادة كاملة.
لكن تطورا لافتا في بيان الخارجية المالية تمثل في توظيفها وللمرة الأولى منطقة القبائل ضمن سياق المناكفة السياسية مع الجزائر، حيث دعت الجزائر إلى إعادة تركيز جهودها على حل أزماتها وتناقضاتها الداخلية، بما في ذلك القضية القبائلية، والتوقف عن جعل مالي وسيلة لتعزيز تموقعها الدولي.
وأضاف البيان أنه “في ضوء الدعم الواضح الذي تقدمه السلطات الجزائرية للجماعات الإرهابية التي تنشط في مالي ومنطقة الساحل، تعيد الوزارة تأكيد معارضة مالي القوية لأي شكل من أشكال التدخل الجزائري في شؤونها الداخلية، ولن تسمح لأي طرف خارجي بتطبيق استراتيجية قديمة تتسم بدور “الإطفائي – المشعل”.
وتابع البيان أن وزارة الخارجية المالية “تجدد التأكيد على عزيمة مالي، التي تتعاون مع بوركينا فاسو وجمهورية النيجر في الاتحاد الاقتصادي والسياسي لدول الساحل، على القضاء على الإرهاب بجميع أشكاله”.
وكانت وزارة الخارجية المالية تعلّق على تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الجزائري، خلال مؤتمر صحافي تحت عنوان “حوصلة حول نشاط الدبلوماسية الجزائرية خلال عام 2024″، الاثنين الماضي، رداً على سؤال حول التحفظات الجزائرية بشأن وجود قوات فاغنر الروسية في شمال مالي.
وقال عطاف “قلنا للأصدقاء الروس لن نسمح ولن نقبل لكوننا جزائريين بأن تُحول حركات سياسية (الحركات الأزوادية) كانت طرفا موقعا على اتفاق الجزائر للسلم في مالي، بين ليلة وضحاها إلى عصابات إرهابية، وهذه الجماعات (حركات الأزواد) هي التي سيتم التفاوض معها مستقبلاً”.
وأضاف “تتمسك الجزائر بمشاركة حركات الأزواد في أي مسار سياسي ومسعى للسلام في مالي”.
وشدد عطاف في السياق نفسه على أنّ “معاودة التفاوض (بين هذه الحركات وباماكو) آتية لا محالة، التفاوض والوساطة الجزائرية آتية والحل السياسي أيضاً، والجزائر ستكون موجودة”، مضيفاً أنّ “الجزائر أرادت إقناع الصديق الروسي بالبديهيات التي عالجت بها الجزائر من خلال تجربتها الطويلة للملفات في منطقة الساحل، على مدى عقود وأن الحل العسكري (في شمال مالي) غير ممكن، وجُرب ثلاث مرات وفشل”.
من شأن الجدل الجديد بين الجزائر وباماكو أن يفاقم أزمة العلاقات بين البلدين، على الرغم من خطوت إيجابية كانت قد أبدتها الأولى في وقت سابق.
ففي أبريل 2023، كان عطاف، وقائد جهاز الأمن الخارجي (الاستخبارات)، اللواء جبار مهنا، قد زارا العاصمة المالية باماكو للقاء القادة العسكريين للسلطة الانتقالية في مالي، حيث تم التأكيد من الجانب الجزائري على مسألة تثبيت اتفاق السلام الموقع في الجزائر في مايو 2015، بين الحكومة المركزية في باماكو وحركات الأزواد التي تمثل سكان مناطق شمال مالي.
لكن إصرار السلطة المالية على إلغاء العمل باتفاق الجزائر للسلام، واستبعاد الوساطة الجزائرية الراعية للاتفاق، أدى إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، عكسها استدعاء متبادل للسفراء في بعض محطات الأزمة.