مشروع قانون مدونة الأسرة: بين الإصلاح والتنفيذ

توضيح لتعديلات مدونة الأسرة

في سياق الجهود المستمرة لتحديث القوانين المغربية وضمان توافقها مع متطلبات العصر، تم تقديم مشروع قانون جديد لتعديل مدونة الأسرة. ورغم الاهتمام الكبير الذي أثاره هذا المشروع، يجب الإشارة إلى أنه ليس مطبقًا حاليًا، إذ يتطلب المرور بعدة مراحل قبل دخوله حيز التنفيذ. يجب أن يصادق عليه البرلمان والحكومة، ويحظى بالموافقة الملكية، ثم ينشر في الجريدة الرسمية. وبعد ذلك، يُمنح فترة زمنية تصل إلى سنة قبل أن يدخل حيّز التنفيذ.

التعديلات التي تخص مغاربة العالم

مشروع قانون مدونة الأسرة الجديد جاء ليعالج مجموعة من التحديات التي تواجه مغاربة العالم، خاصة فيما يتعلق بالحضانة القانونية للأطفال. من أبرز التعديلات التي يقترحها المشروع أنه يرفع عن الأم المطلقة بعض القيود الإدارية التي كانت تعيق قدرتها على تحمل مسؤولياتها تجاه أطفالها. بموجب هذه التعديلات، لم تعد الأم المطلقة بحاجة إلى الحصول على موافقة طليقها للسماح للأطفال بالسفر معها إلى الخارج.

هذا التغيير يُعد خطوة مهمة نحو تمكين المرأة من ممارسة حقوقها الكاملة كحاضنة، دون الحاجة إلى الدخول في صراعات قانونية أو بيروقراطية قد تؤخر سفرها أو تؤثر على استقرار الأطفال. على سبيل المثال، في الحالات التي تحتاج فيها الأسرة للسفر من أجل الدراسة، العلاج، أو زيارة أفراد العائلة بالخارج، كانت موافقة الطليق تمثل عائقًا قد يؤدي إلى تعطيل هذه الخطط أو حتى إلغائها.

علاوة على ذلك، ينص المشروع على أنه لم تعد الأم تواجه عوائق قانونية عند إصدار وثائق رسمية لأبنائها، مثل بطاقات التعريف الوطنية أو جوازات السفر. هذا الإجراء يهدف إلى تسهيل حياتها اليومية وضمان حقوق الأطفال في الحصول على الوثائق الرسمية اللازمة دون تأخير.

هذه التعديلات تُظهر التزام المشرّع بتعزيز حقوق الأمهات المطلقات وتحقيق مصلحة الأطفال الفضلى، مع مراعاة خصوصيات مغاربة العالم الذين يواجهون أحيانًا صعوبات إضافية بسبب العيش في دول تختلف قوانينها عن القوانين المغربية. كما تعكس هذه الخطوة توجهًا نحو تقليل النزاعات الأسرية وضمان استقرار حياة الأطفال، من خلال منح الحاضن المزيد من الاستقلالية في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبلهم.

عقد الزواج دون شاهدين

من بين التعديلات البارزة التي جاء بها مشروع قانون مدونة الأسرة الجديد، إلغاء شرط وجود شاهدين لإبرام عقد الزواج. هذا التغيير يعتبر خطوة كبيرة نحو تبسيط الإجراءات القانونية المتعلقة بالزواج، ويعكس توجهًا لتحديث متطلبات الزواج بما يتماشى مع التحولات الاجتماعية والقانونية الحديثة.

في الصيغة الحالية للقانون، وجود شاهدين يُعد إلزاميًا لإبرام عقد الزواج، وهو إجراء كان يُعتبر ضروريًا لضمان مصداقية العقد وتوثيقه. ومع ذلك، ومع تطور الوسائل التكنولوجية وتوسّع أنظمة التوثيق الإلكتروني، أصبح بالإمكان ضمان مصداقية العقود بوسائل أخرى دون الحاجة إلى حضور شاهدين.

التعديل المقترح يهدف إلى تقليل التعقيدات الإدارية والقانونية التي قد تواجه المقبلين على الزواج، خصوصًا في حالات الزواج العابر للحدود أو الزواج في ظروف استثنائية. كما أنه يعكس مرونة قانونية تُراعي التغيرات التي يشهدها المجتمع المغربي، حيث أصبح توثيق الحقوق والالتزامات في العقود يعتمد بشكل أكبر على الوثائق الرسمية والتقنيات الحديثة بدلًا من الإجراءات التقليدية.

هذه الخطوة تمثل تطورًا قانونيًا مهمًا، حيث تهدف إلى جعل عملية الزواج أكثر سلاسة دون المساس بالأسس الشرعية والقانونية التي تحكمها. كما أنها تعزز من استقلالية الأزواج في اتخاذ قراراتهم، مع توفير ضمانات قانونية كافية لحماية حقوق الطرفين.

بيت الزوجية وحماية المرأة

مشروع القانون الجديد يقترح تعديلًا مهمًا يتعلق ببيت الزوجية، حيث ينص على أن بيت الزوجية لا يُعتبر جزءًا من التركة بعد وفاة الزوج، خصوصًا في الحالات التي لا تتوفر فيها الأسرة على عاصب وتكون التركيبة العائلية مقتصرة على الزوجة وبناتها. هذا التعديل يهدف إلى ضمان استقرار الأسرة ومنع أي تهديد قد يطال حق الزوجة وأبنائها في البقاء في البيت الذي يمثل محور حياتهم. كما يحمي القانون المرأة من الإخلاء من بيت الزوجية، مما يضمن لها ولأبنائها استقرارًا نفسيًا وماديًا في مرحلة قد تكون مليئة بالتحديات والصعوبات.

تقاسم الممتلكات بعد الطلاق

مشروع قانون مدونة الأسرة الجديد يضع إطارًا واضحًا وعادلًا لتدبير القضايا المالية بين الزوجين، خصوصًا عند حدوث الطلاق. ينص المشروع على أن ممتلكات الزوج التي امتلكها قبل الزواج تبقى حقًا حصريًا له، ولا تُشارك الزوجة في هذه الممتلكات بأي شكل. أما بالنسبة للممتلكات التي تم الحصول عليها خلال فترة الزواج، فيمكن للطليقين تقاسمها وفقًا لمساهمة كل طرف في بنائها أو تطويرها.

هذا التعديل يأتي لتعزيز العدالة بين الزوجين، حيث يتم الاعتراف بحقوق كل طرف في الممتلكات المشتركة التي ساهم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر خلال فترة الزواج. كما يهدف إلى الحد من النزاعات المالية التي غالبًا ما تنشأ عند الطلاق بسبب غياب إطار واضح لتوزيع الممتلكات.

إلى جانب ذلك، يعزز المشروع استقلالية الملكية الفردية لكل من الزوجين، حيث يضمن لكل طرف الاحتفاظ بحقوقه على ما امتلكه قبل الزواج، مع تقاسم ما تم تحقيقه بعده فقط، مما يحقق توازنًا بين حماية الحقوق الفردية وتشجيع المساهمة المشتركة في بناء حياة أسرية مستدامة.

الحضانة رغم الزواج من جديد

مشروع قانون مدونة الأسرة الجديد يقدّم تعديلًا جوهريًا يعزز حقوق الأمهات المطلقات، حيث ينص على أن المرأة المطلقة تظل محتفظة بحضانة أطفالها حتى في حال زواجها من جديد. هذا التعديل يعتبر تطورًا مهمًا في إطار حماية مصلحة الأطفال وضمان استقرارهم النفسي والاجتماعي.

في الصيغة الحالية، قد تفقد الأم المطلقة حق الحضانة إذا قررت الزواج مرة أخرى، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اضطرابات نفسية للأطفال نتيجة انتقال الحضانة إلى الأب أو أحد أفراد العائلة الآخرين. التعديل الجديد يُبقي الأطفال في كنف والدتهم، التي تعتبر غالبًا المصدر الأساسي للرعاية والحنان، مما يضمن استمرارية الحياة الأسرية للأطفال دون تغييرات جذرية تؤثر على نموهم واستقرارهم.

علاوة على ذلك، يأخذ المشروع بعين الاعتبار دور الزوج الجديد، حيث يؤكد أن حضانة الأم لا تتعارض مع زواجها إذا لم تكن هناك تأثيرات سلبية مباشرة على مصلحة الأطفال. هذا التوازن يعكس رؤية شاملة تستهدف الحفاظ على حقوق جميع الأطراف، مع إعطاء الأولوية لاحتياجات الأطفال وضمان بيئة مستقرة وآمنة لنموهم.

نحو قانون أكثر عدالة

مشروع قانون مدونة الأسرة يمثل خطوة مهمة نحو تحسين الإطار القانوني للأسرة المغربية، مع مراعاة توازن بين الحفاظ على القيم الدينية والتقاليد الاجتماعية، والاستجابة للتحديات الحديثة. ومع ذلك، يبقى التنفيذ الفعلي رهينًا بإتمام الإجراءات القانونية اللازمة والمصادقة عليه رسميًا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: