الجزائر: الغضب الشعبي يمتد.. والجزائريون يرفضون خطاب تبون ويصفونه بـ«الكذاب»
فيديوفي خطابه السنوي أمام البرلمان بغرفتيه، واصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نهجه في تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج عبر التركيز على قضايا هامشية، متجاهلا مطالب الشعب الجزائري بتغيير واقعهم المزري. وبينما يعاني المواطنون من تبعات سياسات العسكر التي أرهقت البلاد اقتصاديا واجتماعيا، اختار تبون تكريس خطابه للحديث عن الصحراء المغربية، في محاولة للهروب من مواجهة الأزمات الداخلية التي تعصف بالجزائر.
واصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نهج سياسة الهروب إلى الأمام عبر توجيه الأنظار عن المشكلات الداخلية إلى قضايا خارجية، في محاولة منه للتستر على الأزمات المتفاقمة التي تعصف ببلاده. وكعادته في كل خطاب أو مناسبة، لا يمل تبون من ترديد أسطوانة النظام الجزائري المشروخة، التي تساوي بين القضية الفلسطينية و«القضية الصحراوية»، باعتبارهما القضية الأولى للجزائر. فقد أكد خلال خطابه أمس الأحد أن موقف الجزائر تجاه قضية الصحراء الغربية « لن يتغير »، واصفا مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها المغرب بـ«الفكرة الفرنسية» وبـ«خرافة جحا».
تصريحات أثارت سخط الجزائريين قبل المغاربة، حيث رأوا في هذه المواقف استمرارا لسياسة الهروب إلى الأمام، بدلا من مواجهة الأزمات الداخلية التي تتفاقم يوما بعد يوم.
وفي الوقت الذي كان فيه الجزائريون ينتظرون خططا لتحسين معيشتهم أو حلولا لأزمة البطالة وتدهور القدرة الشرائية، استمر الرئيس في استنزاف الوقت بالحديث عن قضايا خارجية، معتبرا القضية الصحراوية بمستوى القضية الفلسطينية، وهو ما اعتبره الكثيرون إساءة للقضية الفلسطينية العادلة.
وهاجم المنتقدون مساواة تبون بين قضية العرب الأولى، أي قضية فلسطين، بنفس مستوى قضية كيان إرهابي انفصالي خلقه النظام الجزائري ذاته، مؤكدين أن المساواة بين قضية فلسطين وقضية حركة انفصالية هي إساءة للشعب الفلسطيني ولقضية فلسطين العادلة، معتبرين ذلك إهانة لشرعية الشعب الفلسطيني ولمشروعيته، وتشويه للمواقف التاريخية للشعب الجزائري ذاته اتجاه قضية فلسطين.
ولم يتردد الكثير من الجزائريين في وصف «ثرثرة» تبون التي استمرت لأزيد من 90 دقيقة، بـ «الأكاذيب المضللة»، حيث عبروا عن ذلك صراحة من خلال تعليقاتهم على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية الجزائرية على منصبة فيسبوك.
غضب شعبي متزايد
انتقد المواطنون الجزائريون تبون لتجاهله معاناتهم اليومية، خاصة في ظل استمرار تمدد هاشتاغ #مانيش_راضي الذي يعكس غضب الشعب الجزائري من الأوضاع الراهنة ويطالب بتنحي نظام العسكر عن الحكم.
وصف المنتقدون خطاب تبون بأنه يعكس حالة من الانهزامية، خاصة مع استخدامه لغة سوقية ضد معارضيه. كما أن تصريحاته ضد الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، الذي وصفه بـ «لص مجهول النسب »، زادت من حدة الانتقادات، إذ رأى البعض أنها تفتقر إلى الاحترام وتكشف عن حالة الاضطراب داخل النظام.
واعتبر النشطاء أن تبون « فاقد للأهلية »، خاصة بعد ظهوره مرتبكا أثناء خطابه، مما زاد من التساؤلات حول مدى قدرته على قيادة البلاد.
ويرى النشطاء أن نظام العسكر بقيادة تبون يعيش في عزلة متزايدة، حيث فشل في التعامل مع الأزمات الداخلية واعتمد على إثارة قضايا خارجية كذريعة لتبرير إخفاقاته.
تصعيد ضد فرنسا لإلهاء الشعب
في محاولة منه لإعادة توجيه الأنظار بعيدا عن مشكلات الداخل، شن تبون هجومًا عنيفًا على فرنسا، داعيًا إياها للاعتراف بجرائمها الاستعمارية.
ولم يخلُ الخطاب من شعارات عاطفية حول «صون الذاكرة الوطنية» و «الحفاظ على كرامة الشهداء»، في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين أدنى مستوياتها.
هذا النهج الخطابي، بحسب مراقبين، يهدف إلى استثمار الجروح التاريخية لإثارة مشاعر وطنية قد تساعد في تهدئة الغضب الشعبي، لكنه قوبل بتساؤلات حول جدواه في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها البلاد.
ويرى مراقبون أن استخدام تبون لهذا النهج كوسيلة لتجييش المشاعر الوطنية لن يغطي على الإخفاقات الداخلية.
خطاب سوقي ضد بوعلام صنصال
استغل تبون المناسبة أيضا ليعبر عن حقده ضد الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، المعتقل في الجزائر منذ يوم 16 نونبر الماضي، حيث وجه له عبارات لاذعة تنهل من قاموس السب والشتم، وصفها الناشطون بـ« السوقية »، إذ وصفه بـ »اللص مجهول الهوية والأب »، وذلك على خلفية بصريحه بأن المستعمر الفرنسي اقتطع أراض مغربية وألحقها بالجزائر الجديدة.
هذا الهجوم الذي أثار استياء شعبيا واسعا، يعكس حالة من الانهزامية والضغوطات الكبيرة التي يبدو أن الرئيس يواجهها، وجعل الكثيرين يشككون في أهلية تبون لقيادة البلاد.
سياسة إلهاء الشعب
من الواضح أن خطاب تبون يعكس استراتيجية نظام العسكر في الجزائر، التي تقوم على إلهاء الشعب بقضايا خارجية ومهاجمة الخصوم بدلا من مواجهة المشاكل الحقيقية.
ومع استمرار تمدد هاشتاغات المطالبة بالتغيير، يبدو أن الشعب الجزائري لم يعد يقبل بسياسة الكذب والهروب إلى الأمام، وهو ما ينذر بمزيد من التوترات في المرحلة المقبلة.
وعود جوفاء
بينما يدعو تبون إلى حوار وطني « عميق وشامل »، يرى الكثيرون أن هذه الدعوات لا تعدو كونها محاولات لكسب الوقت وتخفيف الضغط الداخلي. فالواقع يعكس أن الأولويات الحقيقية للشعب الجزائري تتعلق بالإصلاحات السياسية والاقتصادية العميقة، وهي قضايا لا تزال عالقة في ظل استمرار النظام العسكري في السيطرة على مفاصل الدولة.
ويظهر جليا أن الرئيس تبون يعتمد على استراتيجية الهروب إلى الأمام، سواء من خلال إثارة القضايا الخارجية أو شن الهجمات على معارضيه في الداخل. لكن هذه السياسة، التي تتجاهل الأسباب الجذرية للأزمات الداخلية، لن تؤدي إلا إلى تعميق الهوة بين النظام والشعب.
ومع استمرار الغضب الشعبي، تجد الجزائر اليوم نفسها بحاجة ماسة إلى قيادة (مدنية) تحظى بالكفاءة اللازمة لتواجه الأزمات بجرأة وشفافية، بدلا من الاعتماد على خطاب عاطفي وتضليلي يخفي الحقائق المؤلمة.