حراك الجزائر 2025: جولة جديدة من المواجهة بين الشعب والنظام العسكري

أمام التخبط الذي يعيشه النظام الجزائري إزاء بوادر الحراك الذي انطلقت شرارته من مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاشتاغ «مانيش راضي»، لجأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى استخدام « العفو الرئاسي » على المحبوسين معتقدا أن ذلك سيسهم في « تهدئة الأوضاع السياسية » في البلاد. غير أن هاته الحيلة لم تنطل هذه المرة على الشعب الذي يواصل تشبثه بمطلب تنحي النظام العسكري عن السلطة، ويعتزم النزول إلى الشارع لاستئناف «الحراك» ابتداء من مطلع السنة الجديدة.

أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن عفو رئاسي وتدابير تهدئة شملت 2471 محبوسا، بينهم من تصفهم السلطات بالمتورطين في جرائم «النظام العام»، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لتهدئة الأوضاع السياسية الملتهبة في البلاد، التي تؤشر على بداية حراك شعبي شبيه بذلك الذي اندلع في البلاد أواخر عام 2019 ضد العهدة الخامسة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

فعلى الرغم من الخطاب الرسمي الذي يصور هذه المبادرة كخطوة نحو التهدئة، إلا أن الناشطين والمنظمات الحقوقية رأوا في الأمر محاولة يائسة لامتصاص الغضب الشعبي المتزايد. فقد استمرت الاعتقالات ضد نشطاء حملة « #مانيش_راضي »، مما يعكس تناقضا صارخا بين التصريحات السياسية والإجراءات الميدانية.

وهكذا فشلت هذه «المبادرة» في امتصاص غضب الشعب الجزائري الذي يواصل احتجاجه ضد القمع الممنهج للنشطاء، مطالبا برحيل النظام العسكري الحاكم.

دلالات عفو غير مألوف

لم يعتد الجزائريون على إصدار العفو الرئاسي بمناسبة السنة الميلادية، لذلك فإن لجوء الرئيس عبد المجيد تبون إلى إصدار عفو رئاسي في هذا التوقيت، لأول مرة، قد أثار عدة تساؤلات حول دلالات هذا التوقيت غير المألوف من النظام الجزائري، خاصة وأن تبون دأب على استعمال هذه الصلاحية الدستورية خلال مناسبات الأعياد الدينية والوطنية، إلا أن هذا المستجد، الذي يأتي بعد نحو شهرين فقط من العفو الذي أقره بمناسبة ذكرى « الثورة التحريرية »، يعكس على ما يبدو شعور النظام بالعجز وانسداد الأفق أمامه لاحتواء الغضب الشعبي المتزايد وتخفيف الاحتقان السياسي، لا سيما أن وسيلة القمع المفضلة لدى النظام الدكتاتوري لم تنفع هذه المرة في كبح الاحتجاجات.

قمع متواصل واستهداف للحريات

في اليوم التالي لإعلان العفو، شنت السلطات (يوم الخميس 26 دجنبر 2024) حملة اعتقالات جديدة استهدفت نشطاء بارزين، من بينهم إلياس سليج، سفيان ربيعي، محمد سعيد، وريان مكي.

ووصفت منظمة « شعاع » هذه الاعتقالات بأنها « نسف لأي حديث عن تدابير التهدئة »، مؤكدة أن النظام لا يزال يعتمد على القمع كأداة رئيسية في مواجهة المعارضة.

وأعربت المنظمة الحقوقية في بلاغ لها عن بالغ قلقها إزاء استمرار حملة الاعتقالات التي تشنها السلطات الجزائرية، رغم الإعلان عن العفو الرئاسي وتدابير تهدئة، في وقت كان يُتوقع فيه أن يُسهم العفو في تهدئة الأوضاع السياسية في البلاد.

وجاءت هذه الواقعة لتغذي موجة الانتقادات الحادة ضد النهج القمعي الذي يعتمده النظام، وسط دعوات للتعبئة الشعبية لاستئناف المظاهرات بداية من يوم الأربعاء فاتح يناير 2025.

تعبئة رقمية رغم التضييق

في محاولة مضادة لكبح التعبئة الشعبية، يواصل النظام الجزائري وحلفاؤه دعم الحملة الرقمية المضادة « أنا مع بلادي »، على الرغم من أنها جاءت بنتائج عكسية. فبدلا من تقويض حملة « #مانيش_راضي »، شهدت التعبئة الرقمية للحراك تطورا ملحوظا، ما يعكس إصرار النشطاء على استئناف الحراك الشعبي الذي يطالب برحيل رموز النظام.

نداءات الخارج تزيد الضغط

يدعم النشطاء الجزائريون في الخارج الحراك الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد بلغ مرحلة خطيرة.

وأجمع معارضون بارزون، مثل هشام عبود وأنور مالك وشوقي بن زهرة وأمير ديزاد ووليد كبير، على أن « رحيل النظام » بات ضرورة لإنقاذ البلاد من أزمتها المتفاقمة.

نحو مواجهة حاسمة

من المتوقع أن يشهد يوم الأربعاء 1 يناير 2025 تطورات حاسمة، مع دعوات لاستئناف المظاهرات الشعبية ضد النظام. ويرى العديد من النشطاء في الداخل والخارج أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة تستدعي تغييرات جذرية، تبدأ بتنحي النظام العسكري وإقامة نظام ديمقراطي يعبر عن تطلعات الشعب الجزائري.

ويظهر أن الحراك الجزائري، الذي بدأ في 2019، لا يزال نابضا بإرادة شعبية راسخة، رغم محاولات النظام احتوائه. وفي ظل استمرار القمع، يبدو أن الشارع الجزائري على أعتاب جولة جديدة من النضال السياسي، مستمدا قوته من إصرار النشطاء على رفض الاستبداد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: