صناعة الطيران المغربية تنهي عام 2024 بنمو قوي في الأعمال
تقترب صناعة الطيران المغربية من اختتام العام 2024 بتحقيق أرقام قياسية جديدة في أعمالها بعد تسجيل نمو في صادراتها قياسا بالعام الماضي، في ظل التوسع في إطلاق المشاريع وجذب المستثمرين، مما يؤكد دوره كمحور إستراتيجي لتنمية الاقتصاد.
تميز عام 2024 بإنجازات ملموسة في مجال تصنيع الطائرات بالمغرب، فضلا عن افتتاح العديد من منشآت الإنتاج الجديدة، وهي مكاسب تعزز مكانة هذا القطاع باعتباره مجال إستراتيجيا للابتكار.
واستنادا إلى أحدث أرقام مكتب الصرف المنشورة هذا الأسبوع شهدت صادرات القطاع تحسنا بواقع 17.3 في المئة لتتجاوز 21.86 مليار درهم (2.1 مليار دولار) خلال أول عشرة أشهر من هذا العام، متجاوزة الرقم القياسي المسجل في عام 2023 بأكمله.
ويعزى هذا النمو الملحوظ إلى الطلب العالمي القوي وتنوع المنتجات، التي تشمل قطع الغيار والمعدات الكاملة للمصنعين الكبار في قطاع الطيران، حيث يسير البلد بثبات لتحقيق طموحه، الذي بدأه قبل أكثر من عقد من الزمن.
وتأتي خطط تطوير القطاع في إطار الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي الذي تم إطلاقه في فبراير 2009 من خلال استقطاب الشركات العالمية عبر عروض تنافسية للمستثمرين المغاربة والأجانب.
وبعد النجاح في مجال صناعة السيارات، وجذب شركات أوروبية وآسيوية لتصنيع المركبات وتجميعها، تحولت أنظار المسؤولين إلى قطاع تصنيع الطائرات التجارية.
وعزز المغرب مكانته ضمن أبرز قواعد الإنتاج في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وتظهر مساعيه للانضمام إلى نادي مصنعي الطائرات عن إصرار المسؤولين لنقل القطاع إلى مكانة متميزة عالميا، بفضل الخطط، التي ترجمتها الحكومة عبر جذب المستثمرين وبناء نواة لهذا المجال التنافسي.
واستطاع البلد في السنوات القليلة الماضية، جذب العديد من الشركات الدولية للاستثمار في صناعة الطائرات ليبلغ عددها 142 شركة، توفر نحو 20 ألف فرصة عمل.
وتوجت الحكومة مسارها عبر احتضان البلد هذه السنة العديد من الأحداث الكبرى التي عززت موقع المغرب على الساحة الدولية، أبرزها معرض الطيران المغربي 2024 الذي نُظم في مراكش بمشاركة الآلاف من المهنيين والمستثمرين وصناع القرار في القطاع.
وتمكن هذا المعرض من تسليط الضوء على مقومات البلد، كما شكل فرصة لتوقيع شراكات إستراتيجية جديدة مع عمالقة صناعة الطيران مثل بوينغ وأيرباص.
وشكل الحدث أيضًا مناسبة للكشف عن التقدم المحرز في مجال التكوين، من خلال افتتاح مراكز تكوين جديدة متخصصة تلبّي الاحتياجات المتزايدة للقطاع من مهندسين وتقنيين وخبراء، مما يضمن مستقبلا واعدا للقوى العاملة المحلية.
وعلى مدار العام الحالي، تم تدشين عدة مصانع جديدة، من بينها وحدة إنتاج محركات الطائرات التابعة لمجموعة سافران في الدار البيضاء.
ويمثل هذا المشروع البالغ قيمته 300 مليون دولار نقطة تحول إستراتيجية للصناعة المحلية، سيوفر مئات فرص العمل ويسهم في نقل التكنولوجيا المتقدمة.
المغرب يحتل المرتبة الخامسة عالميا من بين الدول الأكثر ديناميكية في مجال قطاع الطيران، والأول في أفريقيا
كما عززت شركات أخرى على غرار بومباردييه وستيليا وإيروسبيس استثماراتها في السوق المحلية عبر مصانع جديدة وتوسعات لمواقعها الحالية.
وتهدف كل هذه المبادرات إلى تلبية الطلب المتزايد من شركات الطيران الكبرى على قطع الغيار والمكونات عالية الجودة، مع الإسهام في النمو الاقتصادي المحلي.
وفي تعليقها على هذه الإنجازات، أكدت مديرة صناعات الطيران وسكك الحديد والسفن والطاقات المتجددة بوزارة الصناعة والتجارة عفاف سعيدي أن قطاع الطيران يعتبر من أجمل قصص النجاح الصناعي في المغرب.
ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى سعيدي قولها إن “المغرب أصبح بعد عشرين سنة فقط من إطلاق أول مبادرة في القطاع، المصدر الرئيسي للمعدات وقطع الغيار على المستوى الأفريقي.”
وأوضحت أن بلدها صار يحتل المرتبة الخامسة عالميا من بين الدول الأكثر ديناميكية في مجال قطاع الطيران، والأول في أفريقيا.
وأبرزت أن هذا الأداء النوعي لا يبرهن على صمود صناعة الطيران الوطنية فحسب، بل يعكس قدرتها على التأقلم مع الزخم العالمي للسوق، مع الاضطلاع بدور رئيسي في تعزيز مهارات اليد العاملة المحلية وتطور الصناعة بشكل عام.
21 ألف فرصة عمل يوفرها القطاع، والحكومة تطمح إلى مضاعفتها بحلول نهاية العقد الحالي
بموازاة ذلك، شددت سعيدي على أهمية استغلال الفرص المتاحة لهذه الصناعة مع التركيز على نقاط القوة العديدة التي يمتلكها القطاع، مبرزة في هذا الصدد أن هناك تدابير عديدة تم اتخاذها لتعزيز تنافسية قطاع الطيران.
ويشمل هذا الاتجاه توفير بنى تحتية حديثة، ونظام تدريب ملائم، إلى جانب منظومة صناعية ديناميكية وجذابة تتميز بتنوع مجالاتها، وبيئة أعمال مناسبة، فضلا عن تقديم دعم مباشر لمشاريع الاستثمار وتشجيع المشاريع الرائدة والمبتكرة.
ولترجمة خططها على النحو الأمثل، أطلقت الحكومة مناطق صناعية متطورة مخصصة لصناعات الطيران، مثل منطقة ميدبارك التي تتضمن بنية تحتية متكاملة تضم تجهيزات حديثة وأراضٍ جاهزة ومزايا ضريبية تحفيزية.
وإلى جانب ذلك، يضطلع ميناء طنجة – المتوسط بدور محوري في دعم تنامي هذا القطاع من خلال عمليات التصدير إلى الخارج وبأقل التكاليف.
وأكدت سعيدي أن تنوع المهن في هذه الصناعة أتاح توفير تآزر بين مختلف أجزاء سلسلة القيمة، مما عزز تنافسية القطاع ومستوى الاندماج المحلي وقدرته على تلبية متطلبات قطاع تقني عال ودائم التطور.
وحسب أرقام رسمية، يوفر القطاع 21 ألف فرصة عمل لذوي الكفاءات، إلى جانب تفعيل أنشطة 142 شركة، برقم معاملات تجاوزت ملياري دولار، وباندماج محلي في تزايد تجاوز 40 في المئة، ما يمثل ارتقاء نوعيا لقاعدة الطيران المغربية.
وفي يوليو الماضي، أعلن وزير الصناعة والتجارة رياض مزور أن بلاده في طريقها لمضاعفة عدد الوظائف في القطاع بحلول عام 2030، في استكمال لمخطط شامل لترقية هذه الصناعة وجعلها جزءا أساسيا في التنمية الاقتصادية.
ومع كل هذه المكتسبات والإنجازات، تبدو آفاق قطاع الطيران على المديين المتوسط والبعيد واعدة، مع بزوغ جيل جديد من الشركات والمواهب القادرة على جعل المغرب مرجعا عالميا في هذا المجال المهم والحيوي.