إنه المغرب منهمك في تعميق “ثوراته”.. فقط
تنتاب هذه الرقعة العربية من جغرافية العالم موجات من الارتجاجات عالية الدرجة على سلم الاضطرابات، لتولد الأسئلة المغيرة على المستقبل العربي بوابل من نيران القلق. فضلا على العدوان الإسرائيلي، فائق الهمجية، على فلسطين ولبنان وسوريا، تعاني العديد من الأقطار العربية من اهتزازات داخلية، ناجمة عن اختلالات في بوصلتها التنموية، يعمقها سوء تغذية ديمقراطية مرضي.
مؤشرات هذه البلاد العربية ليست كلها فوق خط الإنذار الأحمر وعلى لوحة سوداء.. ثمة، هنا وهناك، إضاءات خضراء، متفاوتة الوهج، ونقاط ضوء، متفاوتة اللمعان. والمغرب واحد من أقطار قليلة، تحاول إنتاج الأمل.. المغرب يواصل الاندفاع نحو المستقبل يقوده الملك محمد السادس، بتبصر القائد الوطني الذي يوجه ويحرص على إنجاز، مقومات وروافع مسار إصلاحي عميق، شامل وتاريخي.
فقط، في هذا النصف الأخير من هذا الشهر الأخير من هذه السنة، أفصح الملك محمد السادس عن أنه لا يشغله أمر ولا يعجزه شيء عن تحريك المسار الإصلاحي للمغرب، بنفس ثورة، سلسة، متواصلة تراكم المنجزات، واحدة بعد الأخرى، بأناة وحكمة. في هذه الأيام فقط، والملك في طور التعافي من الكسر الذي تعرض له، حرك بقوة الاهتمام الوطني برافعتين أساسيتين للتجديد الإصلاحي للمغرب. رافعة “الجهوية المتقدمة”، ورافعة “مدونة الأسرة”.. الأولى عبر رسالة ملكية إلى المناظرة الوطنية الثانية حول الجهوية المتقدمة بطنجة، والثانية جلسة عمل رأسها الملك بالقصر الملكي بالدار البيضاء، حول مشروع تعديل مدوّنة الأسرة.
في ظرف دولي مشحون بالعواصف وامتداد عربي مهتز بالقلاقل اختتم المغرب سنة 2024 بحيوية سياسية ومجتمعية وبنفس الحيوية سيلج سنة 2025 وكله تطلع لمستقبل مساره الإصلاحي دائم التجدد والإشراق
في الحالتين، الملك حريص على إعمال مبدأ النظر التقويمي المرحلي لأدوات ومنجزات مشروعه الإصلاحي. وفي الآن نفسه تثمين المشاركة الشعبية وتكريسها في النظر التقويمي. كما كان عليه الأمر في المنطلق. هذه المنهجية تؤمّن التملك الشعبي لاختيارات المشروع الإصلاحي ولمساراته.
“الجهوية المتقدمة” اختيار ديمقراطي في تدبير التأهيل المؤسساتي للمشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام التنموي. فالمناظرة الوطنية أتاحت للمنتخبين وللخبراء وللسلطة الترابية مجالا ومحاور للتفاعل، قاعدته وموجهه الرسالة الملكية التي أحاطت بالتحديات التي ينبغي رفعها لتجويد وترسيخ البناء الجهوي للهيكلة الإدارية للدولة. وقد قدمت الرسالة الملكية تفحصا للممارسة بالإطار الجغرافي الجهوي الذي أقر، في آخر تقويم له، سنة 2015، وفتحت آفاق إخصاب البناء الجهوي في المسعى التنموي المغربي.
“مدونة الأسرة”، أخضعها الملك نفسه للتقويم، بعد عشرين سنة من إقرارها، سنة 2004، وكانت آنذاك محط تدافع مجتمعي حاد، حسمه الملك محمد السادس باعتماد لجنة بلورت توافقا حولها، واستطاعت تحقيق تقدم في بعض حقوق المرأة، شكلت ثورة في البناء الأسري المغربي، ضمن المسار الإصلاحي الذي طبع حكم الملك محمد السادس.
الملك نفسه كان قد دعا إلى تعديل المدونة بعد عشرين سنة من تجربة الممارسة بها. وكان ذلك مدخلا لنقاش وطني، أطّرته لجنة مركزية فوض لها الملك الإصغاء لكل فعاليات التأطير السياسي، الاجتماعي، الثقافي والحقوقي للنسيج الاجتماعي المغربي. وكان سقف الحوار الوطني حول مشروع التعديل أن لا “تحريم لحلال ولا تحليل لحرام”. وكان ما ينشده الحوار، ذاك، هو المصلحة الفضلى لتحقيق المنفعة الخاصة والعامة للأسرة المغربية، الحاضنة لحياة كريمة للمواطنين وللمواطنات، نساء ورجالا وأطفالا، في بلد شعبه، متشبث بجامعه، أنه يصلي لله من أجل عزة الوطن، والنصر لأمير المؤمنين ملك البلاد .
اختتم المغرب سنة 2024، بحيوية سياسية ومجتمعية… وهكذا بنفس الحيوية سيلج سنة 2025، وكله تطلع لمستقبل مساره الإصلاحي، دائم التجدد والإشراق
التعديلات المجددة لمدونة الأسرة، نوعية ومتعددة وشاملة، يربطها خط ناظم معناه “تطوير الثوابت وتثبيت التطويرات.” في توليفة مغربية خالصة، يقود فيها الملك محمد السادس ثورة عظمى، هادئة وسلسلة ومتدرجة، تصب فيها تجديدات المدونة بزخم ثورة تسري في المجتمع بمجموعه عبر المكون الأسري.
وقريبا سينكب البرلمان على التقرير في شأن ما ستعده الحكومة من مقترحات قوانين المدونة. وهي الآلية الديمقراطية التي يحرص ملك المغرب على ترسيخها واحترامها، وتغذيتها بالحيوية، في النظام المغربي. يحرص الملك على الشرعية الديمقراطية في تدبير البلاد قدر حرصه على الشرعية الوطنية. وفي تفاصيل تدبيره للحكم يثبت أنه مقتنع بأن القائد يوجه ويقترح ويقود المشروع الإصلاحي، والشعب هو من يتملكه ويقرره، ويمارسه، عبر مؤسساته التمثيلية والتشريعية والتدبيرية. وهذه هي الوصفة المميزة لقيادة المغرب، والميسرة للمغرب بأن يتميز بخوضه، منتصرا، منجزا ومواصلا لثوراته الإصلاحية في ظرف دولي مشحون بالعواصف، وفي امتداد عربي مهتز بالقلاقل، وفي جوار قريب مشلول بالضغائن. قوة المغرب هو تفعيله وصونه المفعّل لثلاثية: الله، الوطن والملك.
هكذا اختتم المغرب سنة 2024، بحيوية سياسية ومجتمعية… وهكذا بنفس الحيوية سيلج سنة 2025، وكله تطلع لمستقبل مساره الإصلاحي، دائم التجدد والإشراق.