العاهل المغربي يقود “الولادة الثانية” لمدونة الأسرة عبر مقترحات تتجاوز المئة وتقوم على الاجتهاد البناء
ماموني
أطلق العاهل المغربي الملك محمد السادس “الولادة الثانية” لمدونة الأسرة بعد الإطلاع على أكثر من مئة مقترح للتعديل، مشددا على الاستناد إلى الاجتهاد البنّاء في ظل الثوابت الدينية والملاءمة مع التزامات المغرب الدولية.
وفي خطوة هي الأولى من نوعها تم تخصيص جلسة عمل ملكية لموضوع خارج السياسات العمومية ما يعكس اهتماما ملكيا بالنهوض بوضع الأسرة التي تشكل النواة الرئيسية للمجتمع المغربي.
وأعلنت الجلسة التي عقدت الإثنين نهاية مسار التشاور بخصوص تعديلات مدونة الأسرة ودخولها مرحلة التشريع مع إحاطة مرتقبة للحكومة بأهم مقترحات الإصلاح.
وتعتبر جلسة العمل هذه تتويجا لمسلسل طويل من النقاش والتشاور، الذي مر بمراحل متعددة شملت الإنصات والاستماع إلى جميع المتدخلين من خبراء ومؤسسات دينية وقانونية ومجتمع مدني.
ورفعت الهيئة المكلفة بالتعديلات تقريرا شاملا يتضمن أكثر من مئة مقترح تعديل، جرى عرضها على أنظار الملك محمد السادس. كما أحيلت المقترحات ذات الصلة بالنصوص الدينية إلى المجلس العلمي الأعلى، الذي أصدر بشأنها رأيا شرعيا استنادا إلى مبدأ “عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام”، وهو المبدأ الذي حدده العاهل المغربي كمرجع للعملية.
وشددت بثينة الغلبزوري، عضو المجلس العلمي المحلي بالرباط، في تصريح لـه على أن هذا الاجتماع المخصص لمدونة الأسرة يؤشر على الاهتمام الملكي بالأسرة المغربية وتعزيز مكانتها ودورها الحضاري في بناء مغرب اليوم والغد، وجعل قضايا الأسرة في مقدمة أولوياته وهو ما اقتضى توسيع وتفعيل دور جميع المؤسسات الدستورية ذات الصلة بالأسرة.
وأوضحت الغلبزوري أن توجيهات الملك محمد السادس تحث على النظر في الواقع ومتغيراته لتكوين رأي وقرار يربط النص بالواقع الموجود من خلال تفعيل واعتماد الاجتهاد المقاصدي في ضبط النص وفهمه وتنزيله على الواقع.
وينشد الملك محمد السادس من خلال المدونة تحقيق المقاصد والغايات عبْر الاجتهاد البنّاء لتحقيق الأهداف المحددة للإصلاح، في انسجام مع الثوابت الدينية والوطنية.
وتعكس مراجعة مدونة الأسرة تميز الإسلام المغربي تحت رعاية إمارة المؤمنين، القائم على الوسطية والاعتدال بما يتلاءم مع متطلبات العصر والعدالة الكونية.
واعتبر لحسن سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي للصخيرات تمارة، في تصريح لـه أن “الإطار العام للتعديل واضحٌ حدّدَه أمير المؤمنين وحامي الملّة والدين، حيث إن المرجعية المستند إليها في تعديل ومراجعة مدونة الأسرة معروفة، هي الشريعة الإسلامية التي نجدُها في كتاب الله وسنة رسوله،” لافتا إلى أن “الفقه جُهد إنساني (قد يصيب وقد يخطئ) مهمّتُه استخلاص الأحكام ومحاولة إيجاد حلول تواكب تطورات معيش الناس.”
وستسهر الحكومة ضمن آجال محددة على حسن بلورة هذه المستجدات وصياغتها في مبادرة تشريعية، طبقا للأحكام الدستورية ذات الصلة. وبخصوص المبادرة التشريعية لمراجعة مدونة الأسرة، وما سيليها من مناقشة وتصويت بمجلسي البرلمان، ذكّر العاهل المغربي بالمرجعيات والمرتكزات التي ستؤطرها، والمتضمنة في الرسالة الملكية المذكورة، ويتعلق الأمر بـ”مبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.”
وأكد العاهل المغربي على ضرورة “استحضار إرادة الإصلاح والانفتاح على التطور التي ينشدها، من خلال إطلاق هذه المبادرة الإصلاحية الواعدة، بعد مرور عشرين سنة على إطلاق مدونة الأسرة، وضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، والنظر إلى مضامين المراجعة في تكامليتها، وأنها لا تنتصر لفئة دون أخرى، بل تهم الأسرة المغربية، التي تشكل ‘الخلية الأساسية للمجتمع’، وهو ما يتطلب الحرص على بلورة كل ما تقدم، في قواعد قانونية واضحة ومفهومة، لتجاوز تضارب القراءات القضائية، وحالات التنازع حول تأويلها.”
ولفت العاهل المغربي الانتباه إلى ضرورة العناية بكل المداخل الأخرى المدعمة والمعززة لمراجعة مدونة الأسرة، عبر تدعيم تجربة قضاء الأسرة، ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، في ضوء الأحكام الدستورية الجديدة، وإعداد برامج توعوية تمكن المواطنات والمواطنين من الولوج إلى القانون، ومن استيعاب أكبر لحقوقهم وواجباتهم.
كما شدد الملك محمد السادس على أهمية التواصل مع الرأي العام بشأن مراجعة مدونة الأسرة، باعتبارها تهم جميع شرائح المجتمع. وكلف الحكومة والوزارات المعنية بضرورة إحاطة المواطنات والمواطنين بالمستجدات والمضامين الرئيسية لهذه المراجعة.
ومن المتوقع أن تخصص وسائل الإعلام العمومية والخاصة مساحات مهمة لتشرح الخطوط العريضة للتعديلات والمراحل التي مرت بها، والغايات التي تسعى إلى تحقيقها.