يُعد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية الأسبق، من أبرز الشخصيات التي أثارت الجدل في المشهد السياسي المغربي. خلال فترة توليه لرئاسة الحكومة (2012-2017)، برز بأسلوبه المباشر وأحيانا المثير للانتقادات، سواء في إدارة الملفات الحكومية أو في تعاطيه مع الإعلام والمعارضة. واليوم، وبعد خروجه من السلطة، يعود بنكيران إلى الواجهة بتصريحاته، التي طالت هذه المرة الصحافة المغربية، ما يثير تساؤلات حول احترام السلطة الرابعة، ودور المؤسسات المسؤولة عن حماية الجسم الصحفي.
تصريحات بنكيران الأخيرة التي وصف فيها الصحافة المغربية بـ”البراهش” أثارت موجة استياء كبيرة في أوساط الصحفيين والمتابعين للشأن العام. فالصحافة تُعتبر سلطة رابعة في الأنظمة الديمقراطية، ومسؤولية السياسيين تكمن في احترامها وتعزيز دورها كوسيلة لإيصال الحقائق والتنوير.
فغياب ردود فعل حاسمة من وزارة الاتصال والمجلس الوطني للصحافة يُثير تساؤلات حول قدرتهم على الدفاع عن كرامة الصحفيين وحرية التعبير. فالمؤسسات المعنية مُطالبة بالتدخل لتحديد الخطوط الحمراء التي يجب احترامها في الخطاب السياسي. أمام التصريحات المهينة، يرى البعض أن الحل يكمن في مقاطعة أنشطته الإعلامية وندواته، كرسالة واضحة بأن الصحافة لن تسمح بالتطاول عليها أو تقليل قيمتها.
رغم أن بنكيران قدم نفسه كشخصية إصلاحية ومناهضة للفساد، إلا أن فترة رئاسته للحكومة شهدت العديد من القرارات والسياسات المثيرة للجدل ، فإنيحاب حزب الاستقلال من التحالف الحكومي عام 2013 كان بمثابة ضربة قوية لبنكيران. عوض أن يعمل على إعادة هيكلة الحكومة أو تحديث برنامجها للتكيف مع الظرفية الاقتصادية الصعبة، فضّل مواجهة الأزمة بمواقف متصلبة، مما أضعف حكومته وزاد من حالة التوتر السياسي.
ورغم توقيع الوزير الأول السابق عباس الفاسي على محضر لتوظيف المعطلين، تجاهل بنكيران هذا الاتفاق، مستندًا إلى مبررات قانونية تتعلق بالكفاءة المالية. كان بإمكانه إيجاد حلول وسطى مثل إخضاعهم لتكوينات تأهيلية، لكنه دفعهم للتوجه نحو القضاء وسلسلة من الاحتجاجات، ما ساهم في تأجيج الشارع. وبدلاً من اللجوء إلى حلول مبتكرة أو تحفيز الاستثمارات الوطنية والأجنبية للخروج من الأزمة، لجأ بنكيران إلى رفع الأسعار في عدة قطاعات حيوية، مما أثقل كاهل المواطنين، خصوصًا الفئات المتوسطة والضعيفة.
رفض بنكيران الجلوس مع النقابات والفرقاء الاجتماعيين، وهو ما أدى إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي وخلق حالة من عدم الاستقرار في العلاقات بين الحكومة والنقابات، وهو أمر انعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وعندما انسحب حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة، أصر بنكيران على الاحتفاظ بوزير من الحزب المستقيل، وهو قرار يفتقر إلى الأخلاق السياسية واحترام المؤسسات الحزبية.
هذا وبعد خروجه من الحكومة، استمر بنكيران في الاستفادة من امتيازات مثل سيارة الدولة مع سائقها، وحماية أمنية خاصة. هذه الامتيازات تُثير تساؤلات حول مدى استحقاقها، خاصة في ظل عدم شغله أي منصب رسمي.
عبد الإله بنكيران كان ولا يزال شخصية محورية في المشهد السياسي المغربي، لكنه يظل مثار جدل بسبب قراراته أثناء توليه المنصب وطريقة تفاعله مع الانتقادات بعد مغادرته السلطة. إن احترام الصحافة وحماية استقلاليتها يبقى معيارًا أساسيًا لأي سياسي، خاصة من شغل منصبًا مسؤولًا كرئاسة الحكومة. في المقابل، على الهيئات الإعلامية والنقابية أن تتخذ مواقف حاسمة لحماية الصحفيين وحقوقهم في التعبير بعيدًا عن أي إساءة أو تطاول.