تحذيرات مسبقة ترفع حرج هجوم ماغديبورغ عن السعودية وتضعه على كاهل ألمانيا
تحوّل حادث الدهس القاتل الذي نفذه رجل يحمل الجنسية السعودية في سوق لمستلزمات أعياد الميلاد بألمانيا، على عكس المتوقّع، إلى مصدر دعاية إيجابية للمملكة العربية السعودية.
وأظهر تكرار التأكيد على تلقي السلطات الألمانية لتحذيرات مسبقة من قبل جهات سعودية من بينها أجهزة رسمية، يَقَظة سلطات المملكة وحزمها في مواجهة التشدّد بمختلف أشكاله الدينية وغير الدينية واستعدادها لتقاسم نتائج جهودها مع باقي الدول حفاظا على أمنها واستقرارها.
كما ساهم عدم وجود خلفية إسلامية متطرفة لمنفذ الهجوم بمدينة ماغديبورغ في نفي الأفكار المسبقة وكسر الصورة النمطية الشائعة لدى أوساط غربية عن السعوديين باعتبار أن أغلبهم ميالون إلى التشدّد الديني.
نانسي فيزر: آراء المشتبه به وتصريحاته ستخضع للتدقيق
ونحت القيادة السياسية للمملكة خلال السنوات الأخيرة نحو تشجيع المجتمع على الانفتاح وبادرت إلى اتخاذ قرارات تهدف إلى إنهاء سلطة رجال الدين المتشدّدين على المجتمع ووسّعت هامش حرية حركة النساء.
وتعهّد ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان في وقت سابق باستئصال التشدّد الديني من المملكة قائلا “لن نضيع ثلاثين سنة من حياتنا بالتعامل مع أفكار مدمرة،” مضيفا “سوف نقضي على التطرف في القريب العاجل.”
وتمّ الإثنين الكشف عن مطالبة السلطات السعودية في وقت سابق ألمانيا بتسليمها المشتبه به السعودي في الهجوم الذي جرى الجمعة الماضية على السوق في ماغديبورغ والذي أسفر عن مقتل خمسة أشخاص دهسا وجرح أكثر من مئتين.
وقال مصدر سعودي لوكالة فرانس برس، مفضّلا عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول التحدث للإعلام، “كان هناك طلب تسليم،” مشيرا إلى تحذير الرياض برلين مرات عدة من أنّ المشتبه به طالب العبدالمحسن “قد يكون خطيرا.”
وتعهّدت الحكومة الألمانية الأحد بإجراء تحقيق سريع ودقيق لمعرفة إن حصل تقصير من جانب الأجهزة الأمنية لتجنب وقوع الهجوم الدامي في مدينة ماغديبورغ في شمال شرق البلاد، في ظلّ تجاهل مؤشّرات خطرة كثيرة بدرت منه خلال السنوات الأخيرة.
وأفادت مجلّة “دير شبيغل” بأن الاستخبارات السعودية وجّهت قبل سنة تنبيها إلى السلطات الألمانية بشأن العبدالمحسن، على خلفية تغريدات هدّد فيها ألمانيا بدفع ثمن سوء معاملتها للاجئين السعوديين، وفقا له.
ولم يلق ذلك التنبيه أي استجابة من الجانب الألماني في حين كان الرجل يكثّف الخطابات المشحونة بنظريات المؤامرة، حيث ما انفكّ يتّهم ألمانيا بأنها لا تحمي بما فيه الكفاية السعوديين الفارين من بلدهم، في حين أنها كانت في رأيه تستقبل بصدر رحب مسلمين متشدّدين.
◄ الحادثة تحولت إلى مصدر دعاية إيجابية للسلطات السعودية بشأن يقظتها وحزمها إزاء التشدّد بجميع أشكاله
ومثُل المشتبه به أمام قاض السبت ووضع في السجن على ذمّة التحقيق. ويتحدر الرجل الذي درس الطب النفسي، من عائلة شيعية في مدينة الهفوف في محافظة الأحساء شرق السعودية.
وهاجر عام 2006 إلى ألمانيا حيث نال اللجوء بعدها بعشرة أعوام، بحسب وسائل إعلام ألمانية وناشط سعودي.
ونشط العبدالمحسن في مساعدة طالبي اللجوء السعوديين خصوصا من النساء، بحسب ما يقوله سعوديون عرفوه في الخارج.
وفي حديث أجرته معه فرانس برس في أواخر عام 2022، في إطار إعداد تقرير عن ظروف تواجهها نساء سعوديات أو أفراد من مجتمع الميم خارج المملكة، عرّف العبدالمحسن نفسه بأنه “سعودي ملحد”.
وفي منشور يعود إلى 21 أغسطس الماضي كتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي “هل هناك طريق للعدالة في ألمانيا من دون أن تفجر سفارة ألمانية أو تذبح مواطنين ألمان عشوائيا.”
أليس فايدل: عجز الإدارة الذي سمح بواقعة ماغديبورغ يتركنا في حالة صدمة
وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر إن “آراء المشتبه به وتصريحاته ستخضع للتدقيق، فضلا عن البيانات والإجراءات لدى سلطات مختلفة ولدى القضاء بغية التوصّل إلى الخلاصات اللازمة.”
وفي عام 2013 فرضت عليه غرامة في روستوك “للإخلال بالأمن العام” و”التهديد بارتكاب جرائم”.
وكان يثير مخاوف في أوساط الجالية السعودية في ألمانيا. وقالت عنه مينا أحدي رئيسة المجلس المركزي للمسلمين السابقين إنه “يميني متشدّد مضطرب عقليا يعتنق نظريات المؤامرة ويكره كلّ من لا يشاركه كراهيته.”
وفي العام الماضي قيّمت الشرطة الألمانية الخطر الذي قد يشكّله وخلصت إلى أنه لا يمثّل “خطرا معيّنا”، بحسب ما أوردته صحيفة “دي فيلت”.
وعشيّة الهجوم تجاهل الطبيب النفسي السعودي استدعاء قضائيا في برلين على خلفية إثارته بلبلة في مركز للشرطة بعد رفض الأخير تسجيل شكوى له، وفق وسائل إعلام ألمانية.
وقالت الرئيسة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرّف أليس فايدل إن “عجز الإدارة الذي سمح بواقعة ماغديبورغ يتركنا في حالة صدمة.”
وطالب حزبها بجلسة استثنائية في مجلس النواب لبحث الوضع الأمني “الكارثي” في البلد.
والأمر سيان بالنسبة إلى اليسار الراديكالي الذي طالبت زعيمته ساره فاغنكنشت بتفسيرات بعد “تجاهل هذا العدد الكبير من التحذيرات.”