في خضم الجدل حول تضارب المصالح في المغرب، تطفو إلى السطح مجددًا فضيحة استحواذ شركة رئيس الحكومة عزيز أخنوش على صفقة عمومية لتحلية ماء البحر بقيمة مليار و600 مليون دولار، مصحوبة بحزمة امتيازات استثنائية، من أراضٍ مجانية إلى تخفيضات ضريبية ودعم عمومي سخي. هذه الفضيحة لم تصدم الكثيرين، بل جاءت كحلقة جديدة في سلسلة استغلال النفوذ المتكررة، حيث يجد أخنوش نفسه فوق المحاسبة في بلد يغيب فيه تفعيل القوانين والرقابة المؤسساتية.
منذ عقود، يعيش النظام المغربي على إيقاع تداخل المصالح بين السلطة والبزنس، وأخنوش ليس استثناءً، بل هو نتاج طبيعي لثقافة الريع التي ترعرع فيها في كنف إدريس البصري. كيف لرجل أعمال يمتلك شركات ضخمة ويستغل موقعه السياسي لتعزيز ثروته أن يفهم معنى فصل المصالح أو يخضع لبنود الدستور التي تحرم تضارب المصالح؟ بالنسبة إليه، هذه المصطلحات “لغة غريبة” لا تمت لواقعه بصلة.
أخنوش، الذي يوصف بأنه أقوى رئيس حكومة في تاريخ المغرب، تمكن من بسط نفوذه على الحكومة والبرلمان والإدارة، بل وأسس إمبراطورية إعلامية تحمي مصالحه. كل من يحاول كسر هذه الحلقة يجد نفسه خارج اللعبة، سواء عبر المراجعات الضريبية أو الإقالة أو حتى السجن.
على النقيض، تظهر لنا تجربة بريطانيا نموذجًا مختلفًا تمامًا للتعامل مع تضارب المصالح. استقالت شارلوت هوغ، نائبة محافظ البنك المركزي البريطاني، بعد اتهامها بإخفاء معلومة عن وجود شقيقها في منصب إداري ببنك باركليز، رغم أن عملها لم يكن يتعارض بشكل مباشر مع منصبه. هذه الاستقالة جاءت نتيجة احترام القواعد الأخلاقية وليس ضغطًا قانونيًا مباشرًا، لتؤكد مدى حساسية المجتمعات المتقدمة تجاه أي شبهة تداخل بين العام والخاص.
في المغرب، تضارب المصالح ليس فقط مقبولًا، بل هو أداة لتعزيز السلطة والنفوذ. رغم أن الدستور المغربي يجرم هذه الممارسات، إلا أن التطبيق العملي للقوانين يكاد يكون معدومًا، لتبقى النصوص مجرد حبر على ورق. أما في بريطانيا، فإن الأخلاقيات وحدها كفيلة بإجبار مسؤول رفيع على التخلي عن منصبه فورًا، حفاظًا على نزاهة المؤسسات وثقة المواطنين.
القضية في المغرب ليست فقط قضية قوانين، بل هي أزمة ثقافة سياسية ومجتمعية تجعل من تضارب المصالح أمرًا طبيعيًا وغير مستنكر. إذا أردنا أن نتجاوز هذا الواقع، علينا أن نبدأ ببناء منظومة شفافة تحترم القانون وتفرض المحاسبة، وأيضًا نحتاج إلى نخبة سياسية تؤمن بأهمية الفصل بين السلطة والمصالح الشخصية.
“قرى وعندك تشيب” ليست مجرد مقولة ساخرة، بل هي انعكاس لحقيقة مؤلمة يعيشها المغاربة يوميًا، حيث تستمر السلطة في تعزيز نفوذها على حساب الشعب، دون أدنى اعتبار لكرامة المواطن أو دستور البلاد.