فتح المغرب أبوابه للاستثمارات الأجنبية: فرصة أم عبء على اليد العاملة المغربية؟
بوشعيب البازي
مع انفتاح المغرب على الاستثمار الأجنبي، أصبحت المملكة وجهة مفضلة للشركات متعددة الجنسيات، مستفيدة من التسهيلات التي تقدمها الحكومة لجذب الاستثمارات. الهدف المُعلن لهذه السياسات هو توفير فرص عمل وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني. ولكن، هل تحقق هذه الاستثمارات وعودها، خاصة فيما يتعلق بتحسين ظروف العمل والعيش للمغاربة؟
و رغم أن هذه الاستثمارات وفرت بالفعل فرص عمل عديدة، إلا أن الأجور وظروف العمل التي توفرها غالبًا ما تكون بعيدة عن المعايير اللائقة. العديد من العمال المغاربة يعملون لأكثر من 10 ساعات يوميًا مقابل أجر لا يتجاوز 3500 درهم شهريًا. هذا الوضع لا يمكن مقارنته بما يحصل عليه نظراؤهم في أوروبا داخل نفس الشركات، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجر في العديد من الدول الأوروبية ما يزيد عن 2000 يورو شهريًا، مع ضمانات اجتماعية وصحية تجعل العمل أكثر استدامة وإنسانية.
يبدو أن المسؤولين المغاربة لم يعطوا الأولوية الكافية للدفاع عن حقوق العمال المحليين أو تحسين ظروفهم. السياسات المطبقة تُركز غالبًا على جذب الاستثمارات بأي ثمن، دون وضع شروط صارمة تحمي اليد العاملة المغربية من الاستغلال. النتيجة هي أن العمال يُتركون ليواجهوا ظروفًا معيشية صعبة، حيث أن متوسط الأجر بالكاد يكفي لتغطية الإيجارات والمصاريف الأساسية، مما يحرمهم من العيش بكرامة أو تحقيق استقرار مادي.
بأجر شهري يبلغ حوالي 3500 درهم، يُضطر العامل المغربي إلى إنفاق نصف دخله على الإيجار، بينما يُخصص النصف الآخر للمصاريف اليومية مثل الغذاء والنقل، دون ترك أي مساحة للتوفير أو الترفيه. هذا الواقع يُحكم على العديد من الأسر بالدوران في دائرة الفقر، مما يؤدي إلى تراجع مستويات الرفاهية العامة ويُضعف الإنتاجية على المدى الطويل.
تتحمل الحكومة المغربية مسؤولية كبيرة في تحسين هذا الوضع من خلال فرض قوانين عمل صارمة تلزم الشركات الأجنبية برفع الأجور بما يتماشى مع تكاليف المعيشة في المغرب. وتشديد الرقابة على ساعات العمل وضمان حصول العمال على حقوقهم كاملة، بما في ذلك التأمين الصحي والتقاعد. كما يجب التفاوض مع الشركات الأجنبية لإيجاد توازن بين تحقيق أرباحها وضمان رفاهية العمال المغاربة. وتشجيع الاستثمار المحلي الذي قد يكون أكثر ارتباطًا بمصالح المواطنين وحاجاتهم.
بينما يمثل جذب الاستثمارات الأجنبية خطوة إيجابية نحو التنمية الاقتصادية، فإن النجاح الحقيقي يكمن في ضمان أن تكون هذه التنمية عادلة وشاملة. لا يمكن للمغرب أن يحقق ازدهارًا طويل الأمد دون تحسين ظروف عماله، وضمان حصولهم على أجور تضمن لهم حياة كريمة واستقرارًا اجتماعيًا. تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية وحقوق العمال هو التحدي الأكبر الذي يجب أن تتصدى له الحكومة بكل جدية وشفافية.