المغرب يحقق اختراقات سياسية ودبلوماسية دون الالتفات إلى الدعاية المضادة

ماموني

نجح المغرب في تحقيق العديد من الاختراقات السياسية والدبلوماسية في ملفات مختلفة، ما يعكس وزنه إقليميا ودوليا، وهو يتحرك دون الالتفاف إلى الدعاية المضادة التي تعكس عجز من يقفون وراءها عن إطلاق مبادرات وكسر العزلة التي تحيط بهم.

وضمن مسار هذه الاختراقات يأتي تدخل العاهل المغربي الملك محمد السادس لإطلاق سراح أربعة فرنسيين محتجزين في بوركينا فاسو منذ عام، في اختراق سياسي مهم، تزامن مع زيارة خاصة قام بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الرباط، وتعكس متانة العلاقة بين البلدين على عكس ما يتم ترويجه من مغالطات في سياق الدعاية المضادة بشأن فتور العلاقات بين البلدين.

وكان نجاح هذه الوساطة محل إشادة فرنسية وشهادة على مصداقية ومكانة المغرب في أفريقيا وعنوانا جديدا للاختراقات السياسية والدبلوماسية التي ما فتئت تحققها الرباط.

 

هشام معتضد: الشراكة مع دول الساحل توجه مغربي إستراتيجي يهدف إلى تعميق التوافقات السياسية في عدد من الملفات
هشام معتضد: الشراكة مع دول الساحل توجه مغربي إستراتيجي يهدف إلى تعميق التوافقات السياسية في عدد من الملفات

 

وتنسب الإنجازات السياسية إلى الملك محمد السادس بينما الإنجازات الدبلوماسية يضطلع بها الطاقم الدؤوب والمتابع في وزارة الخارجية وأجهزة المخابرات والأمن.

وأعلن قصر الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون تحدث الأربعاء هاتفيا مع العاهل المغربي ليشكره على “نجاح الوساطة التي مكنت من إطلاق سراح مواطنينا الأربعة المحتجزين منذ عام في بوركينا فاسو.”

واعتبر محمد الطيار، الباحث المغربي في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن فك أسر أربعة فرنسيين بوساطة من الملك محمد السادس يكشف مدى الاحترام والمصداقية اللذين يحظى بهما العاهل المغربي لدى دولة بوركينا فاسو ودول الساحل بصفة عامة.

وأضاف أن تفسير ذلك يتمثل في الروابط التاريخية والدينية الأصيلة التي تجمع المغرب بدول الساحل، والعلاقات التي تجمع المغرب بالمجتمعات المحلية ودرجة قوة شبكة العلاقات التي نسجها مع فاعلين محليين وزعماء قبائل في دول الساحل وفي عموم دول غرب أفريقيا.

وأكدت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أنه على إثر وساطة الملك محمد السادس استجاب إبراهيم تراوري، رئيس جمهورية بوركينا فاسو، لطلب الملك محمد السادس بإطلاق سراح المواطنين الفرنسيين الأربعة، وأن “هذه المبادرة الإنسانية تمت بفضل العلاقات المتميزة التي تربط الملك محمد السادس بالرئيس تراوري، والعلاقات العريقة التي تجمع بين المملكة المغربية وجمهورية بوركينا فاسو.”

ويرى الطيار أن قيام المغرب بفك أسر الرهينة الألماني يورغ لانج وبعده الرهينة الروماني يوليان غيرغوت، ودوره الكبير في الإفراج أيضا عن 49 جنديا من كوت ديفوار كانوا محتجزين في مالي، والسرعة في استعادة دراجين مغربييْن كانا في قبضة جماعات مسلحة وغيرها، تلمّح إلى قوة النفوذ المغربي أمنيا وسياسيا واقتصاديا في منطقة الساحل الأفريقي.

ويستند هذا النفوذ إلى خلفية مهمة، وهي ثقة دول المنطقة بأن المغرب شريك متعدد الأوجه سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتاريخيا، وأن دعمه للشركاء الإقليميين يتجاوز المصالح المباشرة والحينية إلى بناء الثقة في المستقبل المشترك مع مراعاة مصالح كل بلد وخصوصياته وعلاقاته.

وبددت زيارة الرئيس الموريتاني الخاصة إلى الرباط محاولات أوساط إعلامية عربية تأكيد وجود أزمة في العلاقة ين موريتانيا والمغرب بحكم خلاف حول الوضع الجمركي على الحدود بين البلدين.

وأشار مصدر مطلع إلى أن ولد الشيخ الغزواني زار زوجته التي تتلقى العلاج في المستشفى العسكري في الرباط منذ مدة.

وقال المصدر المطلع، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن العلاقة بين المغرب وموريتانيا تتجاوز كل ما يتردد عن وجود أزمة، وإن المغرب يتعامل مع موريتانيا على أنها دولة ذات سيادة وتهتم بمراعاة مصالحها و”لا أحد يستطيع لوم دولة على مراعاة ما تراه في صالح شعبها، طالما كان ذلك في سياق القانون الدولي والأعراف السائدة.”

 

محمد الطيار: فك أسر المحتجزين بوساطة من الملك محمد السادس يكشف مدى الاحترام والمصداقية اللذين يحظى بهما العاهل المغربي لدى دولة بوركينا فاسو ودول الساحل بصفة عامة
محمد الطيار: فك أسر المحتجزين بوساطة من الملك محمد السادس يكشف مدى الاحترام والمصداقية اللذين يحظى بهما العاهل المغربي لدى دول الساحل بصفة عامة

 

وأضاف “تتلقى زوجة الرئيس الموريتاني العلاج منذ فترة في الرباط، ما يعد دليلا على ثقة الرئاسة الموريتانية بالكوادر الطبية المغربية.”

وأكد هشام معتضد، الباحث المغربي في الشؤون الإستراتيجية، أن زيارة ولد الشيخ الغزواني إلى الرباط رغم طابعها الخاص تعتبر بمثابة رسالة سياسية ودبلوماسية تنسف كل الادعاءات بأن العلاقات بين نواكشوط والرباط ليست على ما يرام، وتؤكد ثقة القيادة الموريتانية بالمملكة، خصوصا بعد نجاح عملية جراحية على القلب أجرتها سيدة موريتانيا الأولى على أيدي أطباء مغاربة في أحد مستشفيات الرباط.

ولفت هشام معتضد، في تصريح لـه، إلى أن الشراكة مع دول الساحل توجه مغربي إستراتيجي يهدف إلى تعميق التوافقات السياسية في عدد من الملفات، خاصة منها الأمنية والاقتصادية، التي ترمي أساسا إلى تقوية العلاقات بأبعاد جنوب – جنوب لخلق فضاء سياسي أكثر واقعية ومرونة.

وعملت دول الساحل على توطيد علاقاتها مع المملكة المغربية، التي رأت فيها داعما ومساندا لها للخروج من أزمتها الأمنية والسياسية والتنموية، من خلال الكثير من المبادرات التي قدمها المغرب، ويشمل التعاون الثنائي بين المغرب وبوركينا فاسو العديد من المجالات من قبيل الاتصالات والبنوك والتأمينات والنقل ومواد البناء والصحة والتكوين والماء والطاقة والزراعة والإعلام.

وانخرط المغرب في مبادرات متعددة لصالح تنمية واستقرار منطقة الساحل والصحراء ومنها بوركينا فاسو، آخرها مبادرة الملك محمد السادس لفتح منفذ لهذه الدول على المحيط الأطلسي من أجل فك عزلتها والمساهمة في تنميتها، في إطار سياسة رابح – رابح التي تعتمدها المملكة في علاقتها مع دول الجنوب، وهي المبادرة التي استقبلتها الدول الأربع بفرح واعتبرتها وسيلة للانعتاق والانفتاح على العالم الخارجي وتحقيق التنمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: