أكدت السلطات المغربية أنها ستشرع في تنفيذ القانون المتعلق بالعقوبات البديلة في خطوة للتخفيف من الضغط على السجون، بداية من شهر أغسطس القادم، وذلك بعد أن تم تقرر تهيئة جميع الإجراءات المرتبطة بالقانون ابتداء من مايو المقبل.
وأكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، الخميس بالرباط، أن “رئاسة النيابة العامة ستعمل على تتبع ومراقبة مدى إعمال العقوبات البديلة لبلوغ الغايات السامية التي شرعت من أجلها.”
وشدد الداكي، في كلمة له خلال افتتاح ندوة دولية حول موضوع “العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية: بين التنظيم القانوني وآليات التنزيل”، على ضرورة أن يسهم قضاة النيابة العامة في تفعيل القانون المتعلق بالعقوبات البديلة وأن يحرصوا على التطبيق السليم والعادل لأحكامه وفق ما هو معهود فيهم من مبادرة وجدية وتفان ووفق ما يمليه عليه ضميرهم المهني وواجبهم الدستوري.
وأوضح الداكي أن “التشخيصات الدقيقة التي أجريت في عدة محطات كبرى، أبرزها الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، أفضت إلى ترسيخ القناعة بتبني إصلاح جذري عميق يستشرف مستقبلا ويواكب التوجهات الحديثة للسياسة الجنائية، الرامية في جزء مهم منها إلى تنويع رد الفعل العقابي تجاه الجريمة، عبر سن خيارات تشريعية بديلة ومتنوعة تمكّن من تفادي وتجاوز سلب الحرية.”
ولفت إلى أن “انعقاد هذه الندوة الهامة يأتي في سياق دقيق يطبعه الاستعداد لتنزيل مقتضيات القانون المتعلق بالعقوبات البديلة والذي شكل نقلة نوعية غير مسبوقة في مجال السياسة العقابية داخل المنظومة القانونية بالمغرب.”
ويهدف القانون الجديد إلى توسيع دائرة الاستفادة من العقوبات البديلة مع استثناء الجرائم الخطيرة والأشخاص العائدين، بالإضافة إلى التنصيص على تدابير إصلاح أضرار الجريمة، حيث نصت بنود القانون على أن العقوبات البديلة “هي العقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبسا نافذا.”
من جهته، قال عبداللطيف وهبي وزير العدل المغربي إنه “تم تشكيل لجنة تضم ممثلين عن صندوق الإيداع والتدبير، والنيابة العامة، ورئاسة الحكومة، وإدارة السجون،” مضيفا أن “هناك مفاوضات جارية مع مجلس الاتحاد الأوروبي لتنظيم دورات تكوينية لفائدة القضاة والموظفين المعنيين بتنفيذ العقوبات البديلة، بهدف تمكينهم من تطبيقها بشكل فعّال ابتداء من 22 أغسطس 2025، وأن تسريع الإجراءات المرتبطة بتنفيذ القانون سيبدأ اعتبارا من مايو المقبل.”
وأكد وهبي على “أهمية قانون العقوبات البديلة في التخفيف من الضغط على السجون، وتعزيز قيم مثل العمل، وحماية النفس، والابتعاد عن ارتكاب الجرائم، مما يسهم في إعادة إدماج المتابعين داخل المجتمع،” مشددا على أن “نجاح العقوبات البديلة يعتمد على تنفيذها بدقة، لذا يجري العمل على الاستفادة من تجارب دولية”.”
وأُرسل وفد من الوزارة إلى فرنسا لدراسة التجارب المتعلقة بهذه العقوبات، والتعرف على مزاياها وتحدياتها، كما سيتم إرسال وفود أخرى إلى إسبانيا والولايات المتحدة للاستفادة من خبراتهما في هذا المجال.
وتم تحديد العقوبات البديلة في العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، إلى جانب الغرامة اليومية، وهناك احترازات في تطبيقه حسب (الفصل 3-35) الذي أكد أنه لا يحكم بالعقوبات البديلة في الجنح المتعلقة بالجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب؛ والاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال العمومية، أو غسيل الأموال؛ أو الجرائم العسكرية؛ والاتجار الدولي في المخدرات؛ والاتجار في المؤثرات العقلية؛ والاتجار في الأعضاء البشرية؛ والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
القانون الجديد يهدف إلى توسيع دائرة الاستفادة من العقوبات البديلة مع استثناء الجرائم الخطيرة والأشخاص العائدين
وأكد عمر الشرقاوي أستاذ القانون العام أن “اعتماد قانون العقوبات البديلة يحتاج إلى ثورة حقيقية في البيئة المؤسساتية القضائية والموارد البشرية والكلفة المالية لأجل تنفيذ هذا القانون.”
وأضاف أنه “لإنجاح السياسة العقابية البديلة، لا بدّ من توفير الحكومة لإمكانيات مادية ولوجستية وعنصر بشري، والزيادة في عدد أفراد الشرطة وتكوين مؤسسات للتتبع ومراقبة تنفيذ العقوبات المحكوم بها سواء لخدمة الصالح العام أو عبر المراقبة الإلكترونية أو إعادة التأهيل.”
وتهدف الندوة، المنظمة من قبل رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المؤسسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي والتي يؤطرها خبراء ألمان ومغاربة على مدى يومين، إلى تعريف قضاة النيابة وقضاة تطبيق العقوبات بمقتضيات القانون المتعلق بالعقوبات البديلة، وعرض التجربة الألمانية في مجال العقوبات البديلة، والتعريف بصلاحيات قضاة النيابة العامة وأدوارهم الأساسية في تنفيذها، فضلا عن بحث سبل التعاون بين قضاة النيابة العامة وباقي المتدخلين في تنفيذ العقوبات البديلة سواء منها القضائية أو الإدارية.
وفي مداخلته أثناء أعمال الندوة قال الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية منير المنتصر بالله إن “قانون العقوبات البديلة، يشكل بحق، خطوة هامة في مجال العدالة الجنائية بالمغرب، ويعزز من دور العقوبات البديلة، باعتبارها آلية قانونية تحفظ حق المجتمع في مواجهة الجريمة وتمكّن في الوقت نفسه من إعادة إدماج الجناة في نسيجه.”
وبحسب المسؤول القضائي فإن “أهمية هذا القانون ضمن المنظومة الجنائية المغربية، لا تضاهيها إلا الآمال المعقودة على النتائج المرجوة منه في تجاوز السلبيات التي أطرتها العقوبات السالبة للحرية، وما نجم عنها من اكتظاظ في المؤسسات السجنية، وارتفاع في نسب حالات العود.”
وأشاد ممثل المؤسسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي محمد منتصر عبيدي بالقانون المتعلق بالعقوبات البديلة الذي يستعد المغرب لتنزيل مقتضياته، مشددا على أن “المفهوم التقليدي للعقوبات السالبة للحرية أثبت عدم نجاعته، حيث أن سلبيات العقوبة السالبة للحرية تفوق بكثير إيجابياتها، كما تعتبر عقوبات باهظة التكاليف.”
وفي تدخله اعتبر سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية بالمغرب روبرت دولغر أن “هذه الندوة الدولية تشكل فرصة مثلى لتبادل التجارب والخبرات بشأن تدبير العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية سواء من حيث تنظيمها أو أنواعها أو كيفية الإشراف على تنفيذها والإشكالات المطروحة على المستوى العملي.”