بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يعيش النظام الجزائري في حالة من الذعر، خشية أن يلقى المصير ذاته. وقد تكثفت تحركاته العشوائية، خاصة باتجاه فرنسا. فبعد أن وجه اتهامات غريبة زاعما بأن باريس تقوم بتجنيد جهاديين لإعادة إنتاج سيناريو مشابه في الجزائر، انتقل النظام إلى إطلاق التهديدات، حيث جند ناشطين سيبرانيين مزدوجي الجنسية (فرنسيين-جزائريين) يعلنون صراحة أنهم مستعدون لنشر الفوضى في فرنسا إذا سقط « النظام »، مكررين النص ذاته الذي وُضع بين أيديهم.
النظام الجزائري لا يتوقف عن إبهارنا. ففي كل مرة يصاب بالذعر — وهذه المناسبات ليست نادرة — فإنه يرد بطريقة تثير الضحك العام. وقد قدم دليلا آخر على ذلك في الأيام القليلة الماضية، عقب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وهو نظام يشترك معه في أوجه تشابه كثيرة تنذر بنهاية مماثلة.
خوفا من مآل محتوم مشابه، بدأ النظام الجزائري في التحرك بشكل عشوائي، لكن وجهته الرئيسية كانت نحو فرنسا، الدولة التي يبدو اليوم وكأنه يستجديها لحمايته. لكنه لا يفعل ذلك بشكل صريح ومباشر، بل يلجأ إلى الأساليب القديمة المتمثلة في التهجم والتهديد. وبما أن الوضع عاجل، اعتقد « النظام » أن من الضروري التصرف بسرعة، لكنه انتهى إلى فعل أي شيء دون حساب.
الفصل الأول: مؤامرة من نسج الخيال
في مشهد يشبه فيلم تجسس من الدرجة الثانية، اختلق النظام الجزائري مؤامرة مزعومة روج لها على نطاق واسع عبر التلفزيون الجزائري الرسمي ووكالة الأنباء الجزائرية الرسمية (APS)، وكذلك عبر وسائل الإعلام الموالية له.
وفقا لهذا السيناريو الساذج، فإن جهاز المخابرات الخارجية الفرنسي (DGSE) يقود عملية تجنيد واسعة لجهاديين جزائريين سابقين، بهدف تكوين مجموعات مقاتلة قادرة على الإطاحة بالنظام الجزائري. هذا الادعاء الذي يصعب تصديقه أصبح حديث وسائل الإعلام الجزائرية منذ بداية هذا الأسبوع، حيث لم تتوقف عن ترديده.
تقوم القصة على مزاعم بأن جهاديا جزائريا « تائبا » كان قد قضى ثلاث سنوات في السجن بتهمة الإرهاب، وعاش لفترة في فرنسا قبل أن يعود إلى الجزائر، تعرض لمحاولة تجنيد من قبل DGSE. في البداية، طُلب منه تقديم معلومات عن زملائه السابقين في السجن، وكذلك عن الإسلاميين في ولاية تيبازة وبعض أحياء العاصمة، التي كانت معروفة خلال التسعينيات كمعاقل للجبهة الإسلامية للإنقاذ (FIS).
لاحقا، زُعم أن الهدف كان تنسيق إعادة تشكيل جماعات إرهابية، « ستتلقى أسلحة من ليبيا والنيجر، حيث يتمركز عناصر إسلاميون مسلحون دربتهم ومولتهم المخابرات الفرنسية »، وفقا للإعلام الجزائري.
والهدف من ذلك؟ « زعزعة استقرار النظام الجزائري البطولي، بطبيعة الحال! » لكن، لحسن الحظ، فإن النظام يملك أجهزة استخبارات « يقظة جدا » كشفت المؤامرة في الوقت المناسب، وانقلب « الجهادي التائب » إلى « وطني حقيقي ». وهكذا، تنتهي القصة بنهاية سعيدة، ولكن مع توجيه تحذير إلى فرنسا.
لكن بما أن هذه القصة لم تحقق الأثر المطلوب خارج الجزائر، ولم تحظَ باهتمام في فرنسا، فقد كان لا بد من البحث عن استراتيجية جديدة.
الفصل الثاني: استغلال الجالية الجزائرية في فرنسا
الفصل الثاني لا يقل سخرية. الفكرة هذه المرة هي الإيحاء بأن للجزائر « جيشا حقيقيا » خارج حدودها. ولا نتحدث هنا عن جيش التحرير الوطني (ALN) الذي يشبه نظيره السوري في توجيه سلاحه نحو الشعب، بل عن « جيش » الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا.
المخطط بسيط: إعداد نص قصير يدعو الجالية الجزائرية إلى دعم الرئيس عبد المجيد تبون وتشجيعه على « مواصلة مسيرته »، مع تأكيد استعداد هذه الجالية « للدفاع عن الجزائر ضد أي تهديد ». بعد ذلك، يتم تسجيل هذا النص نفسه بأصوات عدة جزائريين في فرنسا، مع مزامنة حركة الشفاه لتكرار الرسالة عبر تسجيلات الفيديو.
لكن الحيلة كانت واضحة جدا، وتقنيا كانت ضعيفة التنفيذ. ومع ذلك، تم إرسال الرسالة إلى فرنسا.
هذا هو ما يمكن وصفه بنداء استغاثة (S.O.S) موجه إلى « فافا » (لقب ساخر يُطلق على فرنسا) أو « ماما فرنسا ». وبعد كل شيء، فرنسا هي التي أنشأت الجزائر وحددت حدودها عبر اقتطاع أجزاء كبيرة من المغرب وتونس، ولذلك، وفقا لرؤية النظام الجزائري، عليها « تحمل مسؤوليتها » وعدم إدارة ظهرها « لطفلها المشاغب ».
نداء متأخر وفرنسا حسمت موقفها
لسوء حظ النظام الجزائري، وصل هذا النداء البائس متأخرا. بعد سنوات من محاولات استرضاء نظام وصفه البعض بـ« المجنون »، فقدت باريس صبرها. خاصة مع تغير الموقف الفرنسي الذي أصبح أكثر وضوحًا بدعمه لمغربية الصحراء، مما وضع فرنسا في مسار تصادمي مع النظام الجزائري.
النظام الجزائري، بسلوكه المضطرب، وتصريحاته المتناقضة، واستغلاله المكثف للذاكرة التاريخية، ساعد فرنسا على اتخاذ موقفها الجديد.
الآن، لم يبقَ أمام النظام سوى محاولة تخويف فرنسا بـ »جيش الجالية الجزائرية » المقيمة هناك. الرسالة واضحة: « إذا سقطنا، فأنتم أيضا ستتضررون ».
لكن مهندسي هذه العروض الهزلية نسوا نقطة مهمة: فرنسا ليست مسؤولة عن تدهور نظام استنفد جميع أوراقه. النظام الجزائري هو المسؤول الوحيد عن سقوطه الوشيك، وهو على ما يبدو الإنجاز الوحيد الذي نجح في تحقيقه.