طار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى نواكشوط للمشاركة في مؤتمر حول التعليم في أفريقيا، بين 10 و12 ديسمبر الجاري، لعله يوقف عوامل التغيير المرتبطة بالصحراء المغربية. لا يهم ما قاله الرئيس الجزائري حول التعليم العالي وفضل بلاده على الأفارقة الذين احتضنتهم جامعات بلده، لأن النتيجة تعكسها الأرقام والمعطيات والواقع الذي يقول إن هذا التعليم بقي متحجرًا لم يحدث عليه أيّ نوع من الإصلاح الحقيقي ولم ينتج أيّ إضافة تذكر على التنمية والاقتصاد والسياسة والمجتمع.
كان هدف الرئيس تبون من زيارة موريتانيا بصفتها رئيسة الاتحاد الأفريقي حاليًا، مرتبطًا بالموضوع المقدس والأولوية القصوى للسياسة الخارجية للبلد، إنه الصحراء وبوليساريو. لقد تبين أن صناع القرار السياسي داخل قصر المرادية وخارجه متأخرون عن الركب بمسافات طويلة، فليست هناك استباقية تعطيهم أفضلية في قراءة صحيحة للمستجدات واستشراف ما سيأتي والبناء عليه.
◄ النظام الجزائري يكابر للإبقاء على خط حياة جماعة انفصالية لفظتها جل الدول التي كانت تنافح عنها داخل القارة الأفريقية وأميركا اللاتينية والتحفظ على ذكرها في بيانات بعض الأحزاب السياسية الأوروبية
سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان صديقًا ومدافعًا وحاضنًا لتمثيلية بوليساريو في دمشق، وصعود نظام آخر كانوا يصفون طرفه الأكبر بالإرهابيين، جعلهم يبدّلون الخطاب السياسي بين ليلة وضحاها، بعد دعوة الخارجية الجزائرية في بيان، المعارضة التي وصفتها بـ”الأطراف السورية” إلى العمل على الحفاظ على أمن وطنها واستقراره. ولم تمر سوى أيام قليلة عندما كانت نفس الوزارة تصف نفس المعارضة ما تقوم به بـ”التهديدات الإرهابية”، من “إرهابيين إلى أطراف سوريا” دليل على أنه لا يوجد تحيين للمعلومات ويبدو أنهم يستقونها كغيرهم من المواطنين العاديين من غرف الأخبار.
هذه الهرولة نحو الجار الموريتاني لن تفيدهم في شيء، فالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد حسم أمره بأنه لن يدعم تواجد دويلة في خاصرته ستكون شوكة ضارة وقاتلة، وقد كان الجيش الموريتاني حاسمًا مع الميليشيات التي كانت تستغل بعض الفراغات للقيام بضربات خاطفة غير مجدية ضد بعض المواقع المغربية جنوبًا. بالتالي فموريتانيا تقرأ المتغيرات بعين فاحصة جعلها تفتح أبواب العلاقات الثنائية مع المغرب في عدد من المجالات وأهمها الدفاع والأمن والاقتصاد، تحصينًا للأمن القومي، ولن تنفعها بوليساريو أو الجزائر في هذا الأمر الحساس.
تحدث الرئيس الجزائري في هذا الاجتماع، على أن بلاده “وفية لانتمائها وعمقها الأفريقي، وهي تجدد في هذه المناسبة تمسكها بالمبادئ والمثل، التي يقوم عليها اتحادنا، وستستمر بقناعة ودون كلل في بذل الجهود تلو الجهود مع رواد العمل الأفريقي الجماعي من أجل أفريقيا موحدة ومستقرة وآمنة.” وبلغة إنشائية قال إن أفريقيا “تتطلع إلى الاندماج والتكامل، وإلى أن يكون لها تأثير في الساحة الدولية.”
يتحدث الرئيس عبدالمجيد تبون عن التكامل والاندماج وقد فشل في تطوير معاهدة مراكش المؤسسة للاتحاد المغاربي التي وقّعت في القرن الماضي، وفي عهده أفشل هذا المشروع الإستراتيجي الذي كان حلم شعوب المغرب العربي، بالدعوة إلى اتحاد هجين من ثلاث دول. دعم جماعة انفصالية على مدى نصف قرن هو الامتياز الجزائري الذي تفوق فيه وبعثر ثروة الشعب الجزائري على إقامة دويلة بوليساريو الوهمية بغرض أن تكون له إطلالة على المحيط الأطلسي.
يكابر النظام الجزائري للإبقاء على خط حياة جماعة انفصالية لفظتها جل الدول التي كانت بالأمس تنافح عنها، داخل القارة الأفريقية وفي أميركا اللاتينية ناهيك عن التحفظ على ذكرها في بيانات بعض الأحزاب السياسية الأوروبية التي كانت تستغلها قبل سنوات لمناكفة المغرب. رحلة الرئيس تبون إلى نواكشوط تذهب في اتجاه الإبقاء على أوكسجين جغرافي لهذا الكيان الذي تم خنقه في كل القارات، حتى دمشق من الواضح أن النظام الجديد لن يغامر باحتضان بوليساريو، ولن يغامر بالتحالف مع جماعات ستكون أمام امتحان البقاء مع الزوابع الآتية من كل صوب وحدب.
◄ كان هدف الرئيس تبون من زيارة موريتانيا بصفتها رئيسة الاتحاد الأفريقي حاليًا، مرتبطًا بالموضوع المقدس والأولوية القصوى للسياسة الخارجية للبلد، إنه الصحراء وبوليساريو
مشكلة النظام الجزائري أنه لا يقرأ التوازنات ولا يفقه في الأولويات ولا يتعامل مع المستجدات بشكل دقيق وسريع وواقعي، فزيارة الرئيس تبون إلى نواكشوط سبقتها زيارة لرئيس الأركان سعيد شنقريحة قبل أسابيع، دون أن يكون لها الأثر السياسي والأمني ولا الوقع الدبلوماسي الذي كان منتظرًا منها وعلى نفس المنوال ستكون نفس زيارة الرئيس دون نتائج مأمولة في تغيير المنطق السياسي الذي تسير عليه القيادة في نواكشوط، وتشير الزيارات واللقاءات والبيانات الرسمية إلى أن الوعود أسهل من تنفيذها.
ماذا قدم النظام الجزائري للمنطقة ولشعبه؟ لا شيء سوى المزيد من إنهاك لمقدرات البلاد واستفزاز استقرار المنطقة دون أن يكون له برنامج سياسي ومشروع تنموي قابل للتطبيق وسياسة زراعية لتحقيق الأمن الغذائي. وبالتالي ماذا ستستفيد نواكشوط على المدى المتوسط والبعيد من نظام يتمتع فقط بموهبة تنغيص استقرار المنطقة ودعم الانفصال؟ لا بد أن يكون الموريتانيون على دراية بما يقوم به المغرب حاليًا للتعامل مع التحديات الجارية والمتعلقة ليس فقط بالإرهاب المسلح بل بقسوة المناخ وتكلفة التنمية وطرق معالجة مشاكل الأمن الغذائي واستغلال الطاقة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
لا نظن أن نواكشوط بهذا الغباء السياسي لاحتضان جماعة انفصالية مرهونة لدى نظام لم يعد له ما يقدمه، ولا يمكن لأصحاب القرار عند الجار الجنوبي للمغرب المساهمة في أيّ توتر أو يرضوا بمغامرة غير محسوبة تغذيها رغبة البعض في الانتحار الجيوسياسي، مع الاعتقاد الراسخ في تأرجح العالم على حافة نقاط تحول متعددة تتفاوت بين الحاجة إلى إنتاج الغذاء الكافي بسبب تغير المناخ، والنمو السكاني، وعدم المساواة في توزيع عادل للثروة، إلى جانب مسارات الطاقة سواء المرتبطة بالغاز أو الطاقات المتجددة. ولا يمكن لموريتانيا حقًا مواجهة هذه التحديات لوحدها دون دعم مغربي، فلن تغامر في تجاهل منافع خط الغاز القادم من نيجيريا أو خطوط إمداد الغذاء عبر الكركرات.