زيارة تبون إلى موريتانيا: محاولة لكسر العزلة الإقليمية وسط تحديات دبلوماسية وأمنية
بوشعيب البازي
بدأ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون زيارة إلى موريتانيا، هي الخروج الأول له منذ انتخابه لولاية ثانية في سبتمبر الماضي، في مسعى من الجزائر لكسر عزلتها الإقليمية قياسا بما يجري من حولها من حراك دبلوماسي، في وقت يقول فيه مراقبون إن هامش التحرك الدبلوماسي الجزائري محدود ويدور في حلقة إقليمية لا تتجاوز موريتانيا وتونس.
وتأتي الزيارة في سياق إقليمي متوتر وتجاذبات في المنطقة، حيث تخيم الاضطراباتعلى منطقة الساحل وتظهر أنظمة جديدة ترفض أي وصاية أو تدخّل من دول الجوار أومن غيرها بما في ذلك الدول ذات الثقل التاريخي مثل فرنسا، وهو ما أربك الجزائر التيلا يزال بعض مسؤوليها يعتقد أن الثقل الجغرافي يمكن أن يؤثر في منطقة الساحل بدلامن تطوير أداء الدبلوماسية الجزائرية لتقديم دعم فعال لشعوب المنطقة.
ويسود كذلك فتور أو قطيعة بين الجزائر وعواصم إقليمية ودولية بسبب قضايا إما متعلقة بالذاكرة والتاريخ أو أنها مفتعلة من بعض المسؤولين الجزائريين الذين يقودهم منطق “خالف تُعرف” بدلا من بناء الثقة مع دول الجوار العربي والأفريقي.
وتتحول موريتانيا، التي يزورها الرئيس الجزائري لإظهار أن بلاده غير معزولة ولديها شركاء، تدريجيا إلى مركز استقطاب تتلاقى فيه مصالح دول مختلفة في ظل دبلوماسية هادئة، فيما اختارت الجزائر خطا سياسيا ودبلوماسيا صداميا كلفها علاقات متوترة مع شركاء تقليديين وعواصم مجاورة.
وكان الرئيس الجزائري قد سعى لخلق هيكل مغاربي مواز على حساب الاتحادالمغاربي، وعمل على جر موريتانيا وليبيا وتونس إليه، لكن الفكرة لم تلق تجاوبا منالدول الثلاث. ومع ذلك استمرت الجزائر في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الدولالمغاربية ولو بالحد الأدنى. وتم تعزيز اقتراب الجزائر من موريتانيا بعدة اتفاقيات ومشاريع مشتركة، على غرار المعبر الحدودي، والطريق البري الرابط بين تيندوف والزويرات.
وتفيد بيانات رسمية بأن العلاقات الاقتصادية الموريتانية – الجزائرية تطورت بشكل لافت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث باتت الجزائر الشريك الأفريقي الأول لموريتانيا، وقفز التبادل التجاري بين البلدين من زهاء 300 مليون دولار عام 2022 إلى 414 مليون دولار عام 2023.
ويرى خبراء اقتصاديون جزائريون أن علاقات البلدين تشهد زخما متصاعدا تم التمهيد له بمشاريع للبنية التحتية، التي تعتبر منصة تقود إلى تدفق الاستثمارات والتكامل الاقتصادي بين البلدين.
واستدلوا على ذلك بعدة مشاريع دخلت حيز التنفيذ، كافتتاح فرع للبنك الجزائري في موريتانيا، وتدشين أول معبر حدودي يربط البلدين، ثم الطريق البري على مسافة تفوق 800 كيلومتر، فضلا عن دوريات أمنية مشتركة لإشاعة أجواء الطمأنينة والاستقرار بين البلدين.
وعلقت تقارير إعلامية موريتانية بالقول إن “موريتانيا والجزائر بلدان جاران ويواجهان نفس التحديات بما فيها التحديات الأمنية، وإن المسؤولين في البلدين باتوا على قناعة خلال السنوات الأخيرة بأن التنسيق والتحالف الإستراتيجي بين البلدين أصبحا ضرورة،” مضيفة أن زيارة تبون “تكتسي طابعا إقليميا مهما، نظرا لموقع البلدين ودورهما في أفريقيا ومنطقة الساحل بشكل الخاص التي تعتبر من بين المناطق الأفريقية التي تتصارع فيها الأجندات الدولية.”
وكان نائب وزير الدفاع الجزائري وقائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة قد أدى زيارة إلى موريتانيا في شهر أكتوبر الماضي، أجرى خلالها سلسلة من اللقاءات والمشاورات مع المسؤولين العسكريين والمدنيين في نواكشوط، وأفضت إلى حزمة من الاتفاقيات، جاء على رأسها التخطيط لتسيير دوريات عسكرية وأمنية مشتركة علىطول الحدود بينهما، من أجل تعزيز مناخ التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين، وتأمينهما من الأخطار المحدقة في ظل الاضطرابات المسجلة.
وأكد البلدان آنذاك على “النهوض بمستوى التعاون العسكري الثنائي وإكسابه آفاقا جديدة، خاصة في ما يتعلق بشراكة البلدين في مجال مكافحة التطرف العنيف والجريمة المنظمة التي تشهدها منطقة الساحل.”
وتفرض المواجهات العنيفة –التي تندلع من حين إلى آخر بين الجيش المالي مدعوما بقوات فاغنر الروسية من جهة، والمسلحين الأزواديين من جهة أخرى، بالقرب من حدود موريتانيا والجزائر– على البلدين التنسيق بشكل مكثف في القضايا الإقليمية لتفادي أي خطر قد يؤثر على استقرارهما.
يُذكر أن زيارة تبون إلى نواكشوط هي أول زيارة يقوم بها رئيس جزائري إلى موريتانيا منذ37 عاما، بعد تلك التي أداها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد عام 1987.
وجاءت الزيارة بعد مرور أيام قليلة على الزيارة التي أداها رئيس جمهورية جنوب أفريقيا إلى الجزائر، والتي توجت بوضع معالم اتفاق شراكة إستراتيجية، وتوقيع مذكرات تفاهم شاملة، فضلا عن الخطاب الذي ألقاه سيريل راما فوزا أمام البرلمان الجزائري، حيث ذكّر بالعلاقات التاريخية بين البلدين، وفرص التعاون المشترك، والتوافق السياسي والدبلوماسي بشأن القضية الفلسطينية وملف الصحراء.
ويشير مراقبون إلى أن الجزائر صارت تفكر في بناء شراكات أفريقية من باب التنافس الإقليمي، لكن استفاقتها متأخرة، كما أنها لا تمتلك تنويعا اقتصاديا يتيح لها بناء شراكات إستراتيجية؛ وذلك بسبب اعتمادها في العلاقات التجارية على منتجات الطاقة بشكل أساسي.