الأشخاص المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي بدون مرجعية أكاديمية أو فكرية
بوشعيب البازي
مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم ساحة للنقاشات الحرة حول قضايا شتى، بما في ذلك الهجرة، وحقوق المرأة والرجل، وطريقة اللبس، وهي موضوعات حساسة تؤثر بشكل مباشر على أفراد المجتمع، وخاصة الجاليات المغتربة. إلا أن ما يثير القلق هو أن العديد من هذه النقاشات تتم من قبل أشخاص بعيدين كل البعد عن التحليل العلمي أو النقد الموضوعي، وتفتقر إلى الخلفية الثقافية أو الدراسية التي تمكنهم من تقديم نصائح توجيهية سليمة لأفراد الجالية. وبينما يمكن أن يكون لبعض هذه النقاشات جوانب إيجابية، إلا أن تأثيراتها السلبية تتفاقم خاصة عندما يتم إبداء الآراء من قبل أشخاص منحرفين، متشددين دينياً أو منفتحين بشكل مفرط، ممّن يؤثرون على المتابعين بأساليب قد تكون مدمرة.
العديد من الأشخاص الذين يشاركون في نقاشات على منصات التواصل الاجتماعي حول قضايا معقدة مثل الهجرة، حقوق المرأة والرجل، والعادات الثقافية، هم في الغالب يفتقرون إلى المعرفة العميقة التي تؤهلهم لإعطاء نصائح أو تحليلات دقيقة. هؤلاء قد يكونون أفراداً من الطبقات الشعبية أو من فئات المجتمع التي لم تتمكن من الوصول إلى تعليم أكاديمي كافٍ، مما يجعلهم يقدمون آراء قائمة على الانطباعات الشخصية والتجارب الفردية بدلًا من التحليل الموضوعي.
هذه النقاشات السطحية تؤثر بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية داخل الجالية. على سبيل المثال، تأثير الأشخاص المتشددين دينيًا قد يؤدي إلى فرض أفكار ضيقة أو تحجيم حرية المرأة في الاختيار، مما يفاقم الضغوطات على العلاقات الزوجية والعائلية. بينما قد يروج الأشخاص المنفتحون بشكل مفرط لأسلوب حياة يقدس الانفتاح التام، مما يساهم في نشر أفكار قد تؤثر سلبًا على تماسك العلاقات الأسرية، خاصة في المجتمعات التي تحترم العادات والقيم التقليدية.
في بعض الحالات، يخرج أفراد متطرفون على منصات مثل “تيك توك” ليعرضوا أسلوب حياة يتنافى مع القيم الأخلاقية للمجتمع. في هذا السياق، لا تتوقف الأمور عند مجرد الاختلاف في الآراء، بل يتم الترويج لأفكار قد تؤدي إلى إضعاف القيم الأسرية والمجتمعية. هؤلاء الأشخاص – سواء كانوا من ذوي الميول الجنسية المثلية أو أصحاب سلوكيات منحرفة – ينشرون أفكارهم في العلن، مما يساهم في تشويه المفاهيم الاجتماعية السليمة، ويغذي الظواهر السلبية مثل التمرد على التقاليد، والانحلال الخلقي.
ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو أن هذه التصرفات تجد صدى بين أعداد كبيرة من المتابعين، خصوصًا من الشباب الذين لم يشكلوا بعد مفهوماً كاملاً عن هويتهم الثقافية أو الاجتماعية. وبالتالي، يصبح تأثيرهم أكبر مما ينبغي.
ما يزيد الوضع تعقيدًا هو غياب الرقابة الفعّالة على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة في القضايا الحساسة المتعلقة بالقيم المجتمعية. على الرغم من أن العديد من الدول تحاول فرض قوانين لحماية المستخدمين من المحتوى الضار، إلا أن الرقابة غالبًا ما تكون محدودة أو غير فعالة. منصات مثل “تيك توك” و”فيسبوك” تشهد تدفقًا مستمرًا للمحتوى دون فحص دقيق، مما يسهل على الأفراد نشر أفكارهم دون مسؤولية قانونية أو اجتماعية.
فالرقابة الفعّالة تتطلب وعيًا أكبر من قبل الحكومات، والمنظمات المدنية، وأيضًا من الأفراد الذين يستخدمون هذه المنصات. لا يجب أن يُترك المجال للأفراد لترويج أفكار غير مدروسة أو غير أخلاقية تؤثر على استقرار المجتمع.
من المهم أن تتضافر الجهود لتوجيه النقاشات على منصات التواصل الاجتماعي نحو مسارات بناءة. ينبغي للأفراد، خصوصًا أولئك الذين يمتلكون مستوى تعليميًا وثقافيًا يتيح لهم التحليل النقدي، أن يساهموا في تحفيز الحوار البناء حول هذه القضايا. كما يجب أن تتحمل المؤسسات الإعلامية والمجتمعية دورًا أكبر في تقديم محتوى تثقيفي يدعو إلى الاحترام المتبادل بين الثقافات والقيم المختلفة، ويدعم الحوار السليم.
بينما تمثل مواقع التواصل الاجتماعي أداة قوية لتمكين الأفراد من التعبير عن آرائهم، فإن غياب الوعي، والتحليل العميق، والرقابة المناسبة يساهم في نشر أفكار سلبية ومضللة تؤثر على الأفراد والمجتمع بشكل عام. النقاشات التي تدور حول قضايا الهجرة، والمرأة، والرجل، وطريقة اللبس يجب أن تتم في إطار من الاحترام والتقدير للقيم الثقافية والاجتماعية، مع ضرورة تبني الحوار البناء الذي يرتكز على الفهم العميق والمستند إلى أسس علمية وثقافية سليمة.