المغرب شريك إستراتيجي لا غنى عنه لأوروبا
الاتحاد الأوروبي يسعى للتغلب على التوترات مع الرباط عبر توازن الشراكات.
كلما توترت العلاقات مع المغرب سارع الاتحاد الأوروبي إلى إرسال موفديه إلى الرباط لإصلاح العلاقات والوقوف على التحفظات المغربية. ويرى محللون أن الرباط حليف إستراتيجي لا غنى عنه لأوروبا التي تواجه تحديات لا يمكنها التغلب عليها دون مساعدة دول الجوار.
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز شراكته مع المغرب، رغم التوترات المتكررة التي تشهدها العلاقة بين الطرفين، مدفوعا بحاجته إلى تعاون المملكة في عدة مجالات منها مكافحة الهجرة غير النظامية وتفكيك الخلايا الإرهابية.
وتزداد أهمية هذه الشراكة أيضا في ظل المشاريع الكبرى التي أطلقها المغرب، مثل مشروع “الأطلسي”، الذي يهدف إلى توفير منفذ إستراتيجي للدول الأفريقية نحو البحر الأطلسي، بينما تعمل المملكة على تنويع شراكاتها الإستراتيجية لضمان استقلاليتها، ولتجنب الضغوط أو الابتزاز السياسي من أي جهة.
أسباب التوتر
الموقف من الصحراء المغربية يُعتبر أحد أبرز مسارات التوتر بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وانطلاقا منه وصلت العلاقة بين الطرفين إلى محطة توتر جديدة.
وفي 4 أكتوبر الماضي أصدرت محكمة العدل الأوروبية قرارا نهائيا غير قابل للاستئناف يقضي بإلغاء اتفاقيتين تجاريتين بين الجانبين، تتعلقان بالصيد البحري والزراعة؛ بدعوى أنهما تشملان منتجات من إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وبوليساريو الانفصالية.
ورفضا للقرار الذي يُعد صادما للعلاقات الثنائية، قالت الخارجية المغربية إنها تعتبر الرباط “غير معنية” بالقرار، وقالت إنه “تشوبه العديد من العيوب القانونية الواضحة وأخطاء في الوقائع.” كما طالب المغرب مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بما فيها المجلس والمفوضية والدول الأعضاء، بـ”اتخاذ التدابير اللازمة لاحترام التزاماتها الدولية،” مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على مكتسبات الشراكة، ومنح المغرب الضمان القانوني الذي يحق له التمتع به كشريك إستراتيجي.
وتاريخيا كانت مراحل التقاضي بشأن هذه القضية سببا في توترات حادة بين الطرفين.
وفي 25 فبراير 2016 أوقف المغرب الاتصالات مع الاتحاد ردا على حكم أولي صدر في ديسمبر 2015 يقضي بإلغاء إحدى الاتفاقيتين التجاريتين. إلا أن الرباط قررت استئناف الاتصالات في مارس 2016 بعد تلقي تطمينات أوروبية بإعادة الأمور إلى نصابها.
وتقترح الرباط منح إقليم الصحراء حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، وهو ما تعتبره الرباط وعدد هام من الدول الحل الأنسب للنزاع، في حين تطالب بوليساريو الانفصالية بإجراء استفتاء لتقرير المصير، مدعومة في ذلك من الجزائر.
زيارات أوروبية لإنقاذ الشراكة
المغرب استقبل عددًا من الوزراء والمسؤولين الأوروبيين الذين أكدوا خلال زياراتهم أهمية الحفاظ على الشراكة
مع كل توتر في العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي تتكثف زيارات القادة الأوروبيين إلى المملكة، في محاولة لإنقاذ الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين.
وبعد قرار محكمة العدل الأوروبية في 4 أكتوبر الماضي استقبل المغرب عددًا من الوزراء والمسؤولين الأوروبيين الذين أكدوا خلال زياراتهم أهمية الحفاظ على الشراكة وتجاوز أسباب الخلاف.
من أبرزها زيارة أجراها وزير الخارجية المجري أوليفر فارهيلي أواخر نوفمبر الماضي، والذي تترأس بلاده حاليا مجلس الاتحاد الأوروبي.
ومثلت زيارة فارهيلي، الذي يتولى كذلك منصب المفوض الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع، أول زيارة يقوم بها مسؤول أوروبي رفيع إلى المملكة منذ صدور قرار محكمة العدل الأوروبية.
وأكد فارهيلي أن بلاده تتمسك بموقفها الثابت بدعم الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وفق بيان أصدرته الخارجية المغربية، فيما دعا وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في مؤتمر صحفي مشترك مع فارهيلي، الاتحاد الأوروبي إلى الدفاع عن الشراكة مع الرباط ضد ما وصفه بـ”الابتزاز والتحرش القانوني والاقتصادي”.
وشدد بوريطة على أن المغرب “ينتظر إثبات التزام الاتحاد الأوروبي بالشراكة من خلال الأفعال وليس الأقوال.”
وفي 3 ديسمبر الجاري التقى رئيس مجلس النواب المغربي رشيد الطالبي العلمي مع رئيسة البرلمان الأوروبي روبيرتا ميتسولا، واتفقا على خارطة طريق لإعادة العلاقات بين البرلمانين إلى مسارها الطبيعي.
وخلال اللقاء عبّر العلمي عن ترحيبه بالرغبة التي أبدتها ميتسولا في تحسين العلاقات، مشددًا على أهمية “احترام الشروط التي تضمن إقامة علاقات متبادلة في إطار من الاحترام المتبادل.”
نقاط قوة المغرب
المغرب له أدوار بارزة في مكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للقارات
تعليقا على أسباب تمسك الاتحاد الأوروبي بالشراكة مع المغرب رغم التوترات المتكررة، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة عبدالمالك السعدي بمدينة طنجة، محمد العمراني بوخبزة، إن محاولات الاتحاد الحفاظ على الشراكة ترتكز على ما تتمتع به المملكة من “عناصر قوة” تجعلها شريكا إستراتيجيا لا غنى عنه.
وأضاف بوخبزة أن المغرب يمتلك العديد من نقاط القوة في ظل التحولات الإقليمية والدولية، بينما يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات عديدة لا يمكنه معالجتها بمفرده، ما يجعله بحاجة إلى التعاون مع دول الجوار، خاصة في ملفات الهجرة غير النظامية والإرهاب والتهريب والجريمة العابرة للحدود.
وتابع “الإرهاب ضرب العديد من الدول الأوروبية، والمغرب ساعد هذه الدول في تحييد العديد من الخلايا الإرهابية.”
وأشار أيضا إلى أن المغرب له أدوار بارزة في مكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للقارات، مؤكدا أن بروكسل بحاجة إلى الاستفادة من “تجربة المغرب في محاربة الهجرة غير النظامية وتفكيك الخلايا الإرهابية.”
عام 2023 شهد ارتفاعا كبيرا في أعداد المهاجرين عبر الطرق البحرية والبرية من منطقة المغرب العربي إلى أوروبا
واستطاعت السلطات المغربية تفكيك خلايا إرهابية بالتنسيق مع دول أوروبية، كان آخرها في إسبانيا في نوفمبر الماضي.
وأوضح بوخبزة أن الاتحاد الأوروبي يضع استقرار جواره ضمن أولوياته، مشيرًا إلى أن عدم استقرار دول المنطقة يؤدي إلى تصاعد موجات الهجرة غير النظامية، وهو ما يشكل تحديا كبيرا لأوروبا.
وفي هذا السياق أظهرت بيانات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” أن عام 2023 شهد ارتفاعا كبيرا في أعداد المهاجرين عبر الطرق البحرية والبرية من منطقة المغرب العربي إلى أوروبا.
وبلغ إجمالي عمليات الكشف عن العبور غير النظامي حوالي 380 ألف حالة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2016، بزيادة قدرها 17 في المئة مقارنة بعام 2022.
وتطرق بوخبزة إلى ما قد يبدو تناقضا من الجانب الأوروبي، فبينما يثير توترات مع المغرب يسعى للحفاظ على الشراكة معه. وقال إن بلاده تتمتع بعلاقات وطيدة مع دول الاتحاد الأوروبي، فضلا عن العلاقات التي تربطها بمؤسسات في الاتحاد.
المغرب نجح في بناء علاقات إستراتيجية متنوعة تشمل الجوانب الاقتصادية والتجارية والعسكرية
وأوضح أنه بينما تسعى بعض هذه المؤسسات، مثل المفوضية الأوروبية، للحفاظ على شراكة متينة مع الرباط، تبرز مؤسسات أخرى، مثل البرلمان الأوروبي والمحكمة الأوروبية، بطابعها الخاص.
ولفت إلى أن البرلمان الأوروبي يتأثر كثيرا بالحملات الانتخابية، خاصة مع صعود التيارات اليمينية المتطرفة التي تتبنى نظرة حذرة تجاه دول الجوار.
أما محكمة العدل الأوروبية، وفق الأكاديمي المغربي، فتتحكم فيها اعتبارات سياسية أكثر منها قانونية، وغالبًا ما تفتقر إلى معطيات شاملة حول دول الجوار.
تنويع الشركاء
أشار الأكاديمي إلى أن بلاده تبنّت خلال السنوات الأخيرة نهجًا إستراتيجيًا جديدًا يقوم على تنويع الشراكات الدولية، بدلاً من الاعتماد على الاتحاد الأوروبي كحليف إستراتيجي وحيد. وذلك عقب تكرر التوترات.
وأوضح أن المغرب عمل على تعزيز علاقاته مع دول الخليج، ودول جنوب غرب آسيا، والدول الأفريقية، إلى جانب القوى الصاعدة مثل البرازيل والهند.
وأكد بوخبزة أن المغرب “لم يضع بيضه في سلة واحدة،” في إشارة إلى اعتماده على شراكات متعددة ومتنوعة.
وأوضح أن المملكة أطلقت مبادرات قوية، من أبرزها المشروع الأطلسي الذي يهدف إلى تقليل الاعتماد التقليدي على البحر المتوسط وتوسيع آفاق التعاون مع دول الساحل الأفريقي عبر المحيط الأطلسي.
واختتم بوخبزة بالإشارة إلى أن المغرب نجح في بناء علاقات إستراتيجية متنوعة تشمل الجوانب الاقتصادية والتجارية والعسكرية، سواء مع الولايات المتحدة أو القوى الآسيوية الكبرى، مثل الصين وروسيا واليابان، وهو ما يعزز استقلالية المملكة ويجنبها الخضوع لأي ضغط أو ابتزاز سياسي من بعض الجهات.