كلما شهدت العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب توترات، سارع المسؤولون الأوروبيون إلى التواصل مع الرباط لاحتواء الخلافات واستعادة زخم الشراكة. يرى محللون أن المغرب يشكل حليفًا استراتيجيًا لا يمكن للاتحاد الأوروبي التخلي عنه في ظل التحديات المشتركة، مثل مكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للحدود.
أهمية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي
يُعد المغرب شريكًا حيويًا للاتحاد الأوروبي، ليس فقط في إطار التعاون الاقتصادي والتجاري، ولكن أيضًا لدوره المحوري في قضايا أمنية، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية. هذه الأهمية تعززها المشاريع الكبرى التي أطلقها المغرب، مثل مشروع “الأطلسي”، الذي يسعى لتوفير منفذ استراتيجي للدول الأفريقية نحو المحيط الأطلسي.
من جانب آخر، عمل المغرب على تنويع شراكاته الدولية والإقليمية لضمان استقلالية قراراته الاستراتيجية. هذا النهج يمكّنه من تجنب أي ضغوط أو ابتزاز سياسي من طرف بعض الدول أو التكتلات.
التوترات الأخيرة وأسبابها
من أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين قضية الصحراء المغربية، التي تعد محورا حساسًا في السياسة الخارجية المغربية. وجاءت أحدث الأزمات بعد قرار محكمة العدل الأوروبية في أكتوبر 2023 بإلغاء اتفاقيتين تجاريتين بين المغرب والاتحاد الأوروبي، تتعلقان بالصيد البحري والزراعة، بسبب شمولهما منتجات من إقليم الصحراء.
اعتبرت الرباط القرار متحيزًا وغير قانوني، وردّت الخارجية المغربية بالتأكيد على أن المغرب “غير معني” بالحكم، ودعت الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات تصحيحية لحماية الشراكة الثنائية. ورغم ذلك، أثبتت تجارب سابقة أن هذه التوترات غالبًا ما يتم تجاوزها في النهاية، بفضل إدراك الطرفين أهمية التعاون المشترك.
زيارات أوروبية لتخفيف التوتر
مع تصاعد التوتر، قام عدد من المسؤولين الأوروبيين بزيارات للمغرب لتعزيز الحوار. من أبرز تلك الزيارات، زيارة وزير الخارجية المجري أوليفر فارهيلي، التي أكد خلالها التزام الاتحاد الأوروبي بالشراكة مع المغرب، داعيًا إلى تجاوز الخلافات.
وفي السياق نفسه، التقى رئيس البرلمان المغربي برئيسة البرلمان الأوروبي روبيرتا ميتسولا، حيث تم الاتفاق على خارطة طريق لإعادة العلاقات بين المؤسستين إلى طبيعتها.
يتمتع المغرب بعناصر قوة تجعله شريكًا لا غنى عنه للاتحاد الأوروبي. يشير المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة إلى أن المغرب يلعب دورًا رئيسيًا في قضايا مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، وهو ما يُعد أولوية بالنسبة لأوروبا.
بحسب بيانات فرونتكس، شهد عام 2023 ارتفاعًا كبيرًا في محاولات الهجرة غير النظامية عبر الطرق البحرية والبرية من منطقة المغرب العربي إلى أوروبا. في هذا السياق، يُعد التعاون مع المغرب أمرًا ضروريًا لاحتواء هذه الظاهرة.
التناقض الأوروبي: دعم الشراكة رغم الخلافات
رغم التوترات التي تثيرها قرارات بعض مؤسسات الاتحاد الأوروبي، مثل محكمة العدل الأوروبية والبرلمان الأوروبي، إلا أن مؤسسات أخرى، كالمفوضية الأوروبية، تسعى للحفاظ على الشراكة مع المغرب. يعود ذلك إلى إدراك الاتحاد الأوروبي أهمية استقرار دول الجوار، حيث أن عدم الاستقرار يؤدي إلى تصاعد موجات الهجرة والإرهاب، ما يشكل تحديًا مباشرًا لأوروبا.
أمام تكرار التوترات، اعتمد المغرب سياسة تنويع الشراكات الدولية، متجهًا نحو تعزيز علاقاته مع دول الخليج وأفريقيا ودول آسيا الصاعدة، مثل الهند والصين. كما أن المملكة عملت على تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة والقوى الاقتصادية الكبرى، مما يمنحها هامشًا أوسع للمناورة الدبلوماسية.
أطلق المغرب أيضًا مشروع “الأطلسي”، الذي يهدف إلى توسيع التعاون مع دول الساحل الأفريقي عبر المحيط الأطلسي، وتقليل الاعتماد التقليدي على البحر المتوسط. هذا التوجه يعزز مكانة المغرب كلاعب إقليمي ودولي، ويوفر له الاستقلالية في اتخاذ قراراته بعيدًا عن الضغوط الخارجية.
تمثل الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي نموذجًا للعلاقات الحيوية التي تستند إلى المصالح المشتركة رغم التوترات المتكررة. إدراك الطرفين لأهمية التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية يجعل من هذه العلاقة استراتيجية لا غنى عنها. وفي المقابل، يُظهر المغرب قدرته على التكيف وتعزيز مكانته عبر تنويع شراكاته الدولية، ما يعزز استقلاليته ويحصّنه من أي ضغوط خارجية.