من قال إن البلدين المغاربيين يقفان الآن على شفا الحرب؟

بوشعيب البازي

منذ عقود، والمغرب والجزائر يعيشان على حافة التوترات السياسية والعسكرية بسبب نزاع الصحراء الغربية. ولكن في الآونة الأخيرة، تبدو الأمور وكأنها تتجه نحو منعطف أكثر خطورة، حيث بدأت المؤشرات على التصعيد تتزايد، ما جعل البعض يعتقد أن المنطقة قد تكون على شفا حرب. هل يمكن أن يحدث هذا بالفعل؟ هل هناك دلائل كافية تدعو للقلق؟ وما هو الدور الذي قد تلعبه القوى الدولية مثل روسيا في منع هذا السيناريو؟

لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن الوضع بين المغرب والجزائر قد شهد في الآونة الأخيرة توترات متزايدة. تقرير نشرته صحيفة صوت الشمال الفرنسية مؤخراً أشار إلى حادث وقع في منطقة المحبس الصحراوية، حيث هاجم مقاتلون من جبهة البوليساريو تجمعاً للمدنيين. ورغم أن الحادث لم يسفر عن إصابات، إلا أن توقيته في سياق توترات بين الرباط والجزائر جعل منه نقطة للقلق، حيث يمكن أن يكون مجرد حادث صغير هو الشرارة التي تفضي إلى أزمة أكبر.

هذه الحوادث، وإن كانت فردية، تأتي في سياق أوسع من التوتر المستمر بين البلدين. فالتصريحات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين تُظهر أن كل طرف يضع في حساباته إمكانية التصعيد العسكري. ففي هذا الإطار، أشار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى “مؤشرات تدل على رغبة الجزائر في إشعال حرب في المنطقة”، وهو ما يزيد من مخاوف المراقبين حول نوايا الجزائر تجاه المغرب في المرحلة المقبلة.

من المهم هنا أن نتوقف عند الدور الذي قد تلعبه القوى الدولية في التأثير على الوضع بين المغرب والجزائر. ففي الشهر الماضي، التقى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في سوتشي على هامش المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة روسيا-أفريقيا. هذا اللقاء أثار تساؤلات كبيرة، خصوصاً أن التقارير الرسمية المغربية لم تقدم تفاصيل كافية عن فحوى المناقشات بين الجانبين.

هل كان هذا اللقاء فرصة لتناول قضية الصحراء الغربية؟ يبدو أن الإجابة هي نعم. فروسيا، بالرغم من علاقتها المتذبذبة مع الجزائر في بعض القضايا، لا تزال تعتبر حليفاً استراتيجياً للجزائر. ومن هنا، قد تكون موسكو في وضع يمكنها من لعب دور الوسيط في تخفيف حدة التوترات بين البلدين. من المحتمل أن يكون النقاش قد تطرق إلى التصريحات الأخيرة لبوريطة، التي تحدثت عن خطر نشوب حرب في المنطقة، وربما كانت هناك مساعٍ من الجانبين لتفادي التصعيد.

روسيا تعرف جيداً أهمية استقرار المنطقة بالنسبة لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. فإلى جانب دعمها للجزائر في مجلس الأمن، فإن موسكو تستثمر في العديد من المجالات الاستراتيجية في منطقة شمال إفريقيا، ومنها الطاقة والموارد الطبيعية. وبالتالي، قد تكون روسيا في وضع يمكنها من ممارسة ضغوط على الجزائر من أجل منع التصعيد العسكري مع المغرب.

مواقف العاهل المغربي محمد السادس في خطاب الذكرى 49 للمسيرة الخضراء كانت مثيرة للاهتمام. فقد تحدث عن ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها في حل النزاع حول الصحراء الغربية، مؤكدًا على أن المغرب لن يتنازل عن سيادته على أراضيه. كما عرض اقتراحاً لفتح منفذ للأطلسي لدول الساحل عبر المغرب، وهو ما قد يكون له تأثير كبير على العلاقات الإقليمية، خصوصاً بالنسبة لروسيا التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة.

لكن من جانب آخر، فإن دعوة المغرب للأمم المتحدة بمراجعة موقفها من النزاع قد تكون رسالة إلى موسكو أيضاً، لا سيما أن روسيا تعتبر عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي. فقد يكون المغرب قد قدم لروسيا دعوة غير مباشرة للمساهمة في تقليص التوترات في المنطقة عبر الضغط على الجزائر لتغيير موقفها أو على الأقل خفض التصعيد.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل نحن فعلاً على شفا حرب بين المغرب والجزائر؟ من المؤكد أن التوترات الراهنة تُظهر أن المنطقة قد تكون في وضع حساس للغاية. لكن، وعلى الرغم من التصريحات النارية والاتهامات المتبادلة، لا يبدو أن هناك رغبة حقيقية من الطرفين في الوصول إلى نزاع مسلح.

ومع ذلك، تظل المؤشرات المقلقة، مثل الهجمات الحدودية والتصريحات الحادة، تبرز كعوامل قد تؤدي إلى تصعيد لا يمكن التنبؤ بعواقبه. في هذا السياق، يبدو أن الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الدولية، وخصوصاً روسيا، سيكون محوريًا في تفادي حدوث هذا السيناريو، لا سيما إذا تمكنت موسكو من استخدام علاقاتها مع المغرب والجزائر لتسهيل الحوار بينهما وتهدئة الوضع المتوتر في المنطقة.

ختاماً، يبقى الحل السلمي والتفاوضي هو الخيار الأمثل للجميع، ومن المؤكد أن المسؤولين في المغرب والجزائر يدركون أن الحرب ليست حلاً لما يعانيان منه من قضايا معقدة. لكن التحركات الدولية والمواقف الدبلوماسية ستظل هي العامل الحاسم في تحديد ما إذا كانت المنطقة ستنجح في تفادي الكارثة أم لا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: