في السنوات الأخيرة، شهد المغرب تطورات اجتماعية وإعلامية أثارت جدلًا واسعًا بين مختلف فئات المجتمع. ظواهر مثل الإباحيات، الدعارة، التشجيع على المثلية، وانتشار محتوى سطحي على القنوات والجرائد، أصبحت جزءًا من النقاش العام. هذا الانفتاح “المفرط”، كما يصفه البعض، يطرح تساؤلات حول مدى قدرة المجتمع المغربي على التوفيق بين الحفاظ على هويته وقيمه التقليدية وبين التأقلم مع الحداثة.
كان المغرب تاريخيًا نموذجًا للتوازن بين الأصالة والانفتاح على العالم. غير أن هذا التوازن يبدو أنه بدأ يميل نحو انفتاح مفرط، أدى إلى تغييرات ملحوظة في القيم والعادات:
هذا فقد اصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بمظاهر الإباحيات والعري، حيث تنافس العديد من المستخدمين في تقديم محتويات تتجاوز حدود الأخلاق العامة ، و حتى وسائل الإعلام، سواء المكتوبة أو الرقمية، باتت تقدم محتوى يركز على الفضائح، التفاهات، وأحيانًا يستخدم لغة سوقية لا تمت بصلة لمبادئ الصحافة النزيهة.
ناهيك عن تشجيع المثلية من خلال بعض البرامج والإعلاميات بات أمرًا يثير استياء فئات واسعة من المغاربة، الذين يرون في ذلك تهديدًا للقيم الأسرية والدينية.
في الوقت الذي تُهمَّش فيه الأصوات المثقفة والمبدعة، نلاحظ أن الشخصيات التافهة أو المثيرة للجدل تحظى بمنصات واسعة. الأسماء التي كانت تلعب دورًا في نشر الوعي والنقاش المثمر أصبحت غائبة عن المشهد الإعلامي، ليحل محلها من يروجون لمحتوى استهلاكي يهدف فقط لتحقيق نسب مشاهدة.
هذا التحول يُعد تراجعًا كبيرًا مقارنة بعقود مضت، حيث كانت الثقافة والفن في صدارة المشهد. ، فتغييب المثقفين يعني غياب النقاش العميق حول قضايا المجتمع، وهو ما يفسح المجال لتفشي الرداءة.
في عهد المغفور له الملك الحسن الثاني ووزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، كان الانضباط الاجتماعي والثقافي أحد ملامح الدولة ، فالرقابة الصارمة على الإعلام والمحتوى الموجه للجمهور كانت تمنع أي تجاوزات أخلاقية أو ثقافية قد تؤثر على استقرار المجتمع ، ورغم الانتقادات التي وُجهت لتلك الحقبة، إلا أن هناك من يرى اليوم أن تلك السياسات كانت تضمن تماسك الأسرة المغربية وتحمي القيم التقليدية.
ليس من الصدفة أن تتزامن هذه التغيرات مع محاولات بعض الجهات الخارجية والداخلية لدفع المغرب نحو تقليد أنماط مجتمعية دخيلة ، فهناك برامج وأجندات مدعومة من الخارج تهدف إلى فرض رؤى اجتماعية بعيدة عن الهوية المغربية، كما أن الإضعاف التدريجي لدور الأسرة والمؤسسات الدينية والثقافية سيجعل المجتمع عرضة لتأثيرات سلبية تهدد استقراره.
إذا كان المغرب يريد الحفاظ على مكانته كمجتمع أصيل ومتقدم في نفس الوقت، يجب اتخاذ إجراءات حاسمة كإعادة الاعتبار للمثقفين والفنانين الحقيقيين الذين يمكنهم تقديم محتوى يعزز القيم وينشر الوعي، وفرض رقابة مسؤولة على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لمنع المحتويات التي تتعارض مع الأخلاق العامة وتعزيز دور الأسرة والتعليم والدين في ترسيخ القيم الأساسية، وفتح نقاش وطني حول الانفتاح والحداثة يشارك فيه جميع الفاعلين، من مثقفين ودعاة وعلماء اجتماع.
المغرب يقف اليوم أمام تحدٍ كبير، فبينما يسعى للانفتاح على العالم، يجد نفسه في مواجهة تهديدات تمس قيمه وهويته. إذا لم تُتخذ خطوات حاسمة للحفاظ على التوازن بين الأصالة والمعاصرة، قد يجد المجتمع نفسه أمام مزيد من التفكك. حماية الأسرة المغربية والقيم الأصيلة ليست خيارًا، بل ضرورة لاستمرار المغرب كدولة قوية ومتجانسة.