قدم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبدالإله بنكيران اعتذارا لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، إثر الرسالة التي وجهها إليه الأخير بشأن التصريحات التي أدلى بها بنكيران حول تصريحات التوفيق بشأن علمانية المغاربة.
سارع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في المغرب عبدالإله بنكيران إلى الرد على الرسالة التي وجهها له مساء الثلاثاء وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق بشأن التصريحات التي أدلى بها بكيران، حيث نسب إلى الوزير قوله إن “الدولة المغربية علمانية”، وهو ما اعتبره الوزير “بهتانا وتحريفا” لكلامه.
وأشار وزير الشؤون الإسلامية إلى أن “إمارة المؤمنين هي الضامن الأساسي لحماية الدين وقيمه القطعية وأن هذا الدور لا يحتاج إلى دفاع في تجمعات حزبية أو أمام الجمهور، لأن الحقائق الدينية ثابتة ولا تتغير بتصريحات أو مزايدات.”
وأضاف التوفيق مخاطبا بنكيران “إنك رئيس حزب سياسي عصري، والحزب السياسي العصري مقتبس من نظام غربي علماني، وإنك منتخب على أساس تكافؤ أصوات الناخبين بغض النظر عن معتقداتهم وسيرهم، وهذا الأمر مقتبس من نظام غربي علماني، وعندما كنت رئيسا للحكومة اشتغلت على نصوص قوانين تخدم المصلحة العقلانية وتُعرض على تصويت البرلمان، وهذا أمر مقتبس من نظام غربي علماني، لأنك لو أردت أن تستشير شيوخ طائفة لأضعت كثيرا من الوقت بسبب خلافاتهم، وقد قمت بتمرير عدد من القوانين بمرجعية وفاق أو قرارات دولية، وهذا الشأن مقتبس من نظام غربي علماني.”
وأظهر بنكيران اعتذارا مشروطا بتمسكه بتصريحه الذي لم يكن المقصود به هو “وإنما الذين أرادوا استغلاله لأغراض سيئة في أنفسهم، وإن كنت قد شعرتَ بأيِّ إساءةٍ فأنا أعتذر لك علانية ومباشرة وكلمتك لم تغير موقفي منك قيد أنملة.”
ولم تخل الرسالة، التي حملت طابعا شخصيا ومباشرا، من التذكير بالعلاقة المهنية والإنسانية التي جمعت الرجلين، حيث قال بنكيران “أظن أنك تعرفني كما أعرفك، أو ربما أكثر، وخصوصا أنه فوق الصداقة والمعرفة السابقة اشتغلنا جنبا إلى جنب على مدى خمس سنوات طوال.”
وكان عبدالإله بنكيران أكد أن المغرب دولة إسلامية، مستبعدا أي توجه نحو العلمانية.
وجاء ذلك في لقاء مفتوح نظمه الحزب الأحد في منطقة أولاد برحيل والنواحي بإقليم تارودانت جنوب المغرب، في سياق لقاءات مباشرة يقوم بها قادة العدالة والتنمية مع قواعدهم وأنصارهم في مختلف أنحاء البلاد.
وشدد بنكيران على أن “المغاربة متشبثون بدينهم وهويتهم الإسلامية عبر التاريخ”، مركزا على “ضرورة إعادة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، بما في ذلك الأحزاب السياسية”، مشيرا إلى أن “المغرب لم يكن يوما دولة علمانية، بل هو بلد يحكمه أمير المؤمنين، حيث يشكل الإسلام العمود الفقري للدولة.”
وتابع “المغاربة مسلمون ومتمسكون بدولتهم الإسلامية، وليست العلمانية، وملكهم أمير المؤمنين، وليس ملكا عاديا، وصفة أمير المؤمنين أطلقت من قرون عديدة.. وكان السلطان لا يملك جيشا، وإنما مجموعة من الحراس، ويحكم في البلاد من خلال المدارس القرآنية والتي تطورت إلى مدارس عتيقة، والتي هناك من يكيد لها اليوم، وبالتأكيد هم سيرحلون وستبقى المدارس العتيقة.”
وجاء ذلك ردا على وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي قال الأسبوع الماضي خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، إنه اجتمع خلال زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب إيمانويل ماكرون، بوزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيليو في لقاء لم يتم الإعلان عنه في وسائل الإعلام، وأنه “صَدَمَ” المسؤول الفرنسي بعدما أخبره أن المغرب دولة علمانية، مواصلا أنه قال له “ليست لدينا نصوص مثل نصوص 1905، ولكن إذا أراد شخص شيئا ما يمكنه أن يفعله، لأنه لا إكراه في الدين.”
المشهد الحزبي والسياسي لم يعد قادرا على استيعاب المزيد من الشعبوية من أي طرف كان
وأفاد أستاذ القانون رضوان اعميمي بأن “تصريحات بنكيران والحزب تحتاج إلى إعادة نظر جذرية، بعيدا عن الميولات الأيديولوجية والأفكار والمبادئ التي أصبحت متجاوزة وغير مقبولة”، مبرزا أن “التحدي الأساسي الذي يواجهه بنكيران والذي يجب عليه الالتفات إليه بدل الجدال غير المنتج، هو توحيد الصف الداخلي للحزب الذي فقد الكثير من التوهج خاصة بعد محطة انتخابات سبتمبر 2021، ثم استعادة الحزب لما يسميه بمكانه الطبيعي داخل الخارطة السياسية الوطنية.”
وأضاف في تصريح لـه أن “بنكيران يبدو لم يجر أي مراجعات تكتيكية تقتضيها المرحلة المقبلة، خصوصا وأن المشهد الحزبي والسياسي لم يعد قادرا على استيعاب المزيد من الشعبوية من أي طرف كان، بل يحتاج إلى خطاب سياسي واقعي منسجم مع ما تطرحه الظرفية الاقتصادية والاجتماعية من تحديات جسيمة.”
واعتبر رضوان اعميمي أن “ما وقع يؤكد حاجة العدالة والتنمية إلى ظهور زعامة جديدة، لتجميل صورته والبحث عن أطر جديدة وإقامة تحالفات جديدة، ليست لها طبيعة أيديولوجية، ولكن ذات طبيعة برغماتية، وبما أن بنكيران جاء من مدرسة لها ارتباط بما هو دعوي، يصعب عليه أن يتخلى عن هذه الخلفية.”
وسبق لوزير الشؤون الإسلامية أن أشار في افتتاح الدروس الحسنية أمام العاهل المغربي الملك محمد السادس في رمضان 2024، إلى معادلة التغيير والتجديد في إطار خطة تسديد التبليغ، من أجل اكتساب المناعة الجماعية ضد التشويش الداخلي والخارجي باسم الدين، وضد أنواع الفتنة، وهو ما دفعه إلى إفحام بنكيران بالقول إنه “كان عليك كرئيس للحكومة أن تقتنع بالحريات الفردية كما ينص عليها الدستور وتحميها قواعد النظام العام، وهذا أمر مقتبس من سياق غربي هو سياق العلمانية.”
وحتى يضفي على كلامه نوعا من البراءة قال بنكيران إنه “تجنب ذكر اسم التوفيق”، لكن بنكيران عاد في رسالة الاعتذار إلى من أسماهم بـ”المستغلين سيئي النوايا الذين يتربصون بالبلد وبمرجعيته وبثوابته الدوائر”.
وقد شرح التوفيق الأمر بكون بنكيران ذكر كلامه بطريقة فهم منها الجمهور أنه أقر بعلمانية الدولة، نافيا ذلك بشكل قاطع، حيث وجه كلامه للمسؤول الحزبي، قائلا “ذكرت ما فهم منه الناس أنني قلت إن الدولة في المغرب علمانية، وأنا لم أذكر الدولة، لأن الدولة دولة إمارة المؤمنين، وأنت تعرف أنني، بفضل الله، خديم في باب تدبير الدين منذ أكثر من عقدين من الزمن”، موضحا أن “مثل هذه التصريحات لا يمكن أن تغيّر الحقائق المتعلقة بالدين ومكانته في الدولة المغربية.”