الصحراء المغربية وتناقضات القانون الدولي

على مدى أكثر من أربعة عقود، كانت قضية الصحراء المغربية واحدة من أطول النزاعات الإقليمية والإقليمية المصطنعة وأكثرها تعقيدًا في التاريخ الحديث، بسبب تورط جهات إقليمية ودولية مختلفة.

ونظرًا للمفاهيم الخاطئة المنتشرة التي يروج لها خصوم السلامة الإقليمية للمغرب، كانت هناك حاجة للمساهمة في الدفاع عن هذه القضية الحاسمة.

ويقدم الكتاب الدكتور محمد بوبوش، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الأول بوجدة في كتابه الجديد بعنوان ” قضية الصحراء وتناقضات القانون الدولي العام” رؤى قانونية لتوضيح الطبيعة المتطورة لقضية الصحراء، والتصدي للمغالطات القانونية التي يروج لها معارضو الوحدة الترابية للمغرب في المحافل الدولية.

ولتبديد المعلومات المغلوطة المتعمدة في ما يتعلق بالمصطلحات القانونية المتعلقة بالسلامة الترابية، يتناول المؤلف الأسئلة القانونية بموضوعية، مستعينًا بالمنهجيات التاريخية والوصفية. ويسلط هذا النهج الضوء على الحقائق لتفكيك المفاهيم الخاطئة التي يروج لها معارضو المطالبات الإقليمية للمغرب.

 

وتنقسم الدراسة إلى خمسة فصول تتناول: مفهوم تقرير المصير، الحق في الانفصال مقابل السلامة الإقليمية، وجهات النظر القانونية والدستورية المقارنة حول الانفصال، الممارسة الدولية لتقرير المصير باعتباره “انفصالًا”، وأخيرا اقتراح الحكم الذاتي في إطار القانون الدولي العام.

وفي هذا العرض الأكاديمي، يسلط الدكتور بوبوش الضوء على الجوانب القانونية للصراع المصطنع حول الصحراء المغربية، مع التركيز على التناقضات داخل القانون الدولي.

ويؤكد أن القانون الدولي يؤيد كل من مبادئ السلامة الإقليمية والحق في تقرير المصير، كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. والعلاقة بين هذه المبادئ متكاملة من الناحية النظرية ولكنها أظهرت صراعات عملية، وخاصة فيما يتعلق بالحركات الانفصالية.

وتتناول الدراسة الأسس القانونية لتقرير المصير والسيادة الإقليمية، باستخدام السوابق القانونية الدولية.

ويتتبع الدكتور بوبوش مفهوم تقرير المصير من جذوره في تحرير الشعوب المستعمرة إلى إساءة استخدامه في العصر الحديث من قبل الحركات الانفصالية، مما أدى إلى الاستغلال السياسي بعد الحرب الباردة. ويسلط الضوء على التناقضات الدولية في تطبيق تقرير المصير، تحت تأثير مصالح القوى الكبرى.

ويؤكد الدكتور بوبوش أن اقتراح الحكم الذاتي المغربي، الذي قدم في أبريل 2007، يتماشى مع الشرعية الدولية من خلال تحقيق التوازن بين تقرير المصير والسلامة الإقليمية.

الدكتور بوبوش يسلط الضوء على الجوانب القانونية للصراع المصطنع حول الصحراء المغربية، مع التركيز على التناقضات داخل القانون الدولي

وما فتئ مقترح الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب كحلّ سياسي للنزاع الدائر حول صحرائه الجنوبية يجد له أصداء إيجابية لدى الأوساط الدولية التي ترى فيه المخرج الأنسب والأسلم الذي من شأنه أن يغلق الباب أمام الدعوات الانفصالية الصادرة عن البوليساريو ومن يقف وراءهم، رغم إصرار هذا الطرف الأخير على عرقلة أي جهود رامية للتسوية تأبيدا للأزمة لا غير.

وتواجه مبادرة الحكم الذاتي التي تقدّم بها المغرب وتم تثمينها من قبل المجتمع الدولي اليوم عقبة الموقف الجزائري، والموقف الانفصالي، الذي يحاول عرقلة التفاوض بكل الوسائل الممكنة، بهدف إفشاله والزعم، بعد ذلك، أنّ الحل الوحيد هو العودة إلى خطة الأمم المتحدة، حول تنظيم استفتاء تقرير المصير، التي فشلت في الأصل وفتحت المجال أمام الدعوة إلى الحل السياسي المتفاوض عليه، باعتباره الحل الممكن والذي من شأنه إبعاد شبح تدهور الوضع الأمني والعسكري والعودة إلى المواجهة العسكرية التي يلح الجميع على أنّه لا مصلحة لأحد بالعودة إليها.

اقتراح الحكم الذاتي يتماشى مع الشرعية الدولية من خلال تحقيق التوازن بين تقرير المصير والسلامة الإقليمية

وتفضل الأمم المتحدة والممارسات الدولية بعد الحرب الباردة حلولاً مثل الحكم الذاتي للحفاظ على الاستقرار العالمي، كما حدث في إسبانيا وإيطاليا.

ويعرف الحكم الذاتي بأنه نظام سياسي، اقتصادي وإداري يحصل فيه إقليم معين على نوع من الاستقلال يخوله صلاحيات واسعة لتدبير شؤونه السياسية والاقتصادية والإدارية، ويطلق غالبا على الدول التي تسير وفق هذا النظام بالدول الفيدرالية. وكحل للصراع المفتعل حول الصحراء المغربية فقد تقدم المغرب منذ سنة 2007 بمبادرة رسمية سميت بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وقد شكلت هذه المبادرة رغبة حقيقية من جانب المغرب في وضع حد للصراع المفتعل حول قضية الصحراء، حيث لاقت ترحيبا من قبل العديد من الجهات الدولية والإقليمية التي رأت في هذه المبادرة حلا جريئا ومنطقيا لنزع فتيل الأزمة.

ورغم هذه العراقيل، مضى المغرب في تثبيت هذه القضية الوطنية، مشددا على مكانة الأقاليم الجنوبية ضمن هندسة الإستراتيجية الوطنية تدقيقا للمسؤوليات وضمانا للحقوق المترتبة عن الانتماء والمواطنة، في ظلّ صرح الديمقراطية المتوازنة وهيكلة مغرب المستقبل بمختلف أقاليمه وجهاته.

ويرد الكتاب على الادعاءات القائلة بأن المغرب يتصرف كقوة احتلال، وهي الرواية التي تقودها في المقام الأول الجزائر وجنوب أفريقيا. ويشرح الدكتور بوبوش التعريفات القانونية للاحتلال بموجب اتفاقية لاهاي لعام 1907، والتي لا تنطبق على علاقة المغرب بالصحراء. كما يتناول مزاعم استغلال الموارد، مشيرًا إلى أن المغرب يستثمر بشكل كبير في تنمية الصحراء، متجاوزًا العائدات من الموارد الطبيعية.

وسلط الدكتور بوبوش الضوء على محنة سكان مخيم تندوف، ويقول إنهم “رهائن” وليسوا لاجئين، مستشهدًا بمعايير القانون الدولي لوضع اللاجئين. كما طعن في شرعية جبهة البوليساريو، مشيرًا إلى افتقارها إلى التمثيل الديمقراطي وطبيعتها العسكرية، مما يقوض ادعاءاتها بتمثيل السكان الصحراويين.

وفي الختام، أكد الدكتور بوبوش على أهمية البحث الأكاديمي في الدفاع عن وحدة أراضي المغرب. ودعا إلى تعبئة جميع القطاعات من أحزاب سياسية وبرلمانيين وجامعات ومراكز الأبحاث – لدعم القضية الوطنية ودحض الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: