بين المغرب وبلجيكا مخرجة تتحدى ازدواجية هويتها عبر السينما
صحيح أن السينما يهمها بالأساس المتلقي الذي تذهب به إلى رحلات ممتعة ومثيرة أو تدعوه إلى التفكير والاكتشاف وغيره، ولكن هذا الفن أيضا يعني العاملين فيه بشكل أساسي، فالمخرجون أو الممثلون قد يستندون إلى تجاربهم الخاصة لإنجاز الأفلام، وهنا تظهر وظيفة السينما في علاقتها بذوات المشتغلين فيها، كما نرى في تجربة المخرجة رشيدة الكراني، التي تكشفها في هذا الحوار.
تعتبر المخرجة المغربية – البلجيكية رشيدة الكراني القضايا الحقوقية ولاسيما حرية المرأة والاغتراب جديرة بأن تروى على الشاشة، وتتخذ من تجاربها الشخصية وحياة المغاربة في المهجر منطلقا لصنع أفلام تعتقد أنها وأقرانها ممن نشأوا بين ثقافتين متباينتين هم الأقدر على تجسيدها.
تجربة شخصية
تقول الكراني في مقابلة معها إنها فخورة بفوز فيلمها الروائي القصير “رشيد” بجائزة المهرجان الوطني للسينما بطنجة ومن بعده جائزة مهرجان ألميريا السينمائي بإسبانيا وتعتبره “خطوة كبيرة نحو تحقيق حلمها في الإخراج السينمائي وبصفة خاصة في خانة الأفلام الروائية.”
فيلم “رشيد” مأخوذ عن قصة للكاتبة المغربية – البلجيكية رشيدة لمرابط المدافعة عن حقوق المهاجرين والمنتقدة لسياسة العنصرية في بلد إقامتها، بلجيكا، وأوروبا عامة، وهو من بطولة زكريا رضواني وسعيد بومزوغ وعصام دكة ونورا داري.
يحكي الفيلم بطريقة ساخرة قصة المغربي رشيد (21 عاما) الذي يبحث عن عمل في بلجيكا لكن التمييز العنصري يسد كل الأبواب في وجهه وتصبح وظيفة ذبح أضاحي العيد للمسلمين هي السبيل الوحيد أمامه الذي لا يعيقه عنها سوى حبه للحيوانات.
تقول المخرجة “كانت قصة ضمن مجموعة قصصية للكاتبة رشيدة لمرابط، وهي القصة الوحيدة المكتوبة بطريقة كوميدية، ولأنني أعرف قيمة الكاتبة الكبيرة وسبق أن قرأت لها، قلت لنفسي إنه بدون شك سيكون هذا موضوع أول إخراج فيلم روائي لي، خاصة وأن الكاتبة اشترطت أن يكون مخرج قصتها مغربيا، لأنه مؤهل لأن يفهم التقاليد والعادات المغربية بشكل أعمق.”
وترى الكراني أنها مدينة بحبها للسينما لوالدها الذي مثل دورا ثانويا في فيلم (علي بابا والأربعين حرامي) عام 1954 لمخرجه الفرنسي جاك بيكر، حين كان عمره وقتها لا يتجاوز 10 سنوات، قبل أن تدفعه الظروف إلى الهجرة إلى فرنسا ومنها إلى بلجيكا بحثا عن حياة أفضل.
وتضيف أن والدها هو من أهداها أول كاميرا تصوير وهي في الثانية عشرة، والتي تعتبرها نقطة تحول فارقة في حياتها، إلا أنه كان مشتتا بين زرع حب السينما والفن في ابنته وبين خضوعه للتقاليد واعتقاده بأن “قدر الفتاة هو الزواج وتأسيس أسرة”، وهو ما انتهى بها للزواج في سن السادسة عشرة، وترتب على ذلك عنف زوجي ومشاكل عائلية.
لكن بفضل شخصيتها التي تجمع بين القوة والنعومة، استطاعت الكراني أن تحول هذا الجانب المظلم في حياتها إلى حافز للنجاح، بل استثمرته في السينما لتستعد لتصوير فيلمها الوثائقي “في بيت أبي” الذي يروي قصة حياتها وحياة العائلة خاصة الوالد.
وتقول إنها قررت إنجاز الفيلم في عام 2020، وكان من المتوقع أن تبدأ تصويره في ربيع ذلك العام لولا جائحة كورونا التي شلت جميع مناحي الحياة. وأضافت أن الفيلم “بمثابة مصالحة ذاتية مع نفسها ومع عائلتها” بعد أن تجاوزت صعوبات تلك المرحلة.
وحاز مشروع الفيلم على دعم من ثلاث جهات، ومن المنتظر أن يبدأ تصويره في أبريل القادم ليكون جاهزا مع نهاية عام 2025، وتقوم رشيدة حاليا بعمل “اختبارات أداء” لممثلين سيجسدون تلك المرحلة من حياتها وحياة والدها.
تقول رشيدة الكراني “أريد أن أكسر المحظورات في هذا الفيلم”، وتساءلت “لماذا لا نستطيع أن نتحدث عن العنف المنزلي والزواج القسري المقرون بالعنف على جميع المستويات؟ كنت دائما في المستشفيات، أحيانا أبي كان يساندني ويقول لي سنطلب الطلاق، لكن بعد تدخل عائلة الزوج العنيف يجبروني على التنازل والتسامح… يقولون هذا هو قدر النساء.”
ازدواج الهوية
درست رشيدة إخراج الأفلام الوثائقية في المعهد الملكي للمسرح والسينما والصوت ببروكسل وأنجزت أفلاما وثائقية حققت نجاحا ملموسا مثل “الظلام” عام 2015، الذي كتبت قصته أيضا، إلا أن ازدواج الهوية يظل قضية رئيسية من بين القضايا التي تشغلها. وتقول إنه رغم كونها ولدت وعاشت في بلجيكا تجد نفسها دائما “قريبة من قصص المغرب”.
وتضيف “نشأت لا بلجيكية ولا مغربية.. كانت تتنازعني دائما الثقافتان (المغربية والبلجيكية)، وبالرغم من أنني مغربية، لم أدرس العربية وكبرت بعيدة عن المغرب وفي نفس الوقت الثقافة البلجيكية كانت عنصريتها دائما تبعدني.” وتتابع قائلة “أشعر بهذه الهوية المزدوجة التي طبعت كياني وأثرت فيّ بطبيعة الحال وعلى رؤيتي للفن والسينما.”