تصريحات وزير حقوق الإنسان السابق والمحامي محمد زيان حول الأوضاع الحقوقية في المغرب تفتح الباب لنقاش عميق حول حرية التعبير، واستهداف الأصوات الحرة، وضرورة إعادة النظر في سياسات الدولة تجاه الحقوقيين والمثقفين. عندما يقول زيان إن المغرب “يرجع لسنوات الرصاص”، فإنه يشير إلى فترة اتسمت بالقمع الشديد والاضطهاد السياسي، ويضعنا أمام واقع يعكس تراجعات خطيرة عن المكتسبات الديمقراطية التي حققتها البلاد في العقود الأخيرة.
هذا و قد أصبح قمع حرية التعبير ظاهرة تثير قلقًا متزايدًا، حيث يجري استهداف الصحفيين والنشطاء الحقوقيين وحتى المواطنين الذين يعبّرون عن آرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تُستغل القوانين، التي يفترض أنها وُضعت لحماية المجتمع، كأداة لقمع كل رأي يخالف سياسات الدولة أو يطالب بالإصلاح.
في هذا السياق، يعد اعتقال نشطاء حراك الريف، وعلى رأسهم ناصر الزفزافي، أحد أبرز الأمثلة على تكميم الأفواه. هؤلاء النشطاء طالبوا بحقوق اجتماعية واقتصادية مشروعة، مثل التعليم والصحة وفرص العمل، لكنهم واجهوا أحكامًا قاسية وتحولوا إلى رموز لمعارك الحرية في المغرب.
بالإضافة إلى الاعتقالات، تمارس السلطات المغربية تضييقًا آخر يتمثل في إغلاق الحدود في وجه الحقوقيين والنشطاء المغاربة في الخارج. هذا الحصار المزدوج، داخل البلاد وخارجها، يعكس استراتيجية لتقليص الفضاء العام ومنع أي صوت معارض من التحرك بحرية أو التعبير عن نفسه.
المثقفون والصحفيون والنشطاء هم ضمير الأمة وصوتها الحر. استهدافهم لا يضر فقط بمناخ الحرية، بل يعمّق فجوة الثقة بين الشعب والدولة. إذا أراد المغرب التقدم نحو مجتمع ديمقراطي حقيقي، فعليه أن يتصالح مع مثقفيه ونشطائه.
إطلاق سراح معتقلي الرأي، بمن فيهم نشطاء حراك الريف، يجب أن يكون خطوة أولى نحو تحقيق المصالحة الوطنية. فالمطالبة بالحقوق ليست جريمة، بل حق أساسي يكفله الدستور المغربي والمواثيق الدولية التي وقّع عليها المغرب.
ما يثير القلق هو استخدام القضاء كأداة لتصفية الحسابات السياسية مع المعارضين، حيث يُستعمل القانون لقمع الأصوات الحرة. وقد أصبحت قضايا اعتقال الصحفيين والنشطاء الحقوقيين مثالًا صارخًا على هذا النهج.
و كما أشار محمد زيان، إلى أن النظام المغربي يتبنى “شعار تكميم الأفواه” كسلاح لمنع الانتقادات ومحاربة الفساد الحقيقي. ورغم أن المغرب يعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية، فإن قمع المعارضة يجعل محاربة الفساد مستحيلة، حيث يتم استهداف كل من يطالب بالإصلاح أو يدعو للشفافية.
لا يمكن للمغرب أن يحقق تطورًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا دون مراجعة جادة لسياساته الحالية.
المغرب يقف اليوم أمام مفترق طرق بين تعزيز الديمقراطية أو الانزلاق نحو ممارسات استبدادية تعيد ذكريات سنوات الرصاص. المصالحة مع المثقفين والنشطاء، واحترام الحريات الأساسية، هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية الحقيقية. النظام المغربي بحاجة إلى بناء جسور الثقة مع شعبه، والاعتراف بأن حرية التعبير ليست تهديدًا بل ركيزة للتقدم.