يعد المغرب من البلدان التي تعيش على واقعٍ من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، حيث يظهر بوضوح التباين الكبير بين الفئات الاجتماعية. في حين يزدهر بعض الأفراد في رفاهية وثراء فاحش، يعيش آخرون في ظروف قاسية تكاد تكون غير قابلة للتحمل. هذا التباين بين الطبقات الاجتماعية في المغرب ليس مجرد فجوة اقتصادية، بل هو انعكاس لأزمات هيكلية في النظام السياسي والاقتصادي، والتي تساهم بشكل مباشر في استمرار هذه الفجوة التي تتسع يومًا بعد يوم.
في المغرب، يُلاحظ بوضوح وجود طبقات اجتماعية مترفة تستفيد من خيرات البلاد ومن جميع الامتيازات التي تتيحها الدولة، فيما يعاني ملايين المواطنين من الفقر المدقع، ويكافحون يوميًا من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية. في الوقت الذي يرى فيه البعض الفخامة في كل شيء، من القصور والمركبات الفاخرة إلى العطلات المترفة في أماكن عالمية، يعاني الآخرون من صعوبة في توفير لقمة العيش لأسرهم. هذه الفجوة الاقتصادية تظهر في شتى المجالات: من التعليم إلى الرعاية الصحية، ومن الإسكان إلى الفرص الاقتصادية.
أصحاب الثروات الكبيرة في المغرب، سواء كانوا من رجال الأعمال أو كبار المسؤولين، يمتلكون تأثيرًا كبيرًا في القرارات السياسية والاقتصادية. وهم غالبًا ما يتجاوزون القوانين والأنظمة، ويتمتعون بامتيازات غير عادلة تُمنح لهم في العديد من المجالات. في المقابل، فإن فئات كبيرة من الشعب المغربي، خصوصًا في الأرياف والمناطق المهمشة، لا يحصلون على أي نصيب من هذه الثروات، بل يعيشون في ظل نقص الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وطرق وخدمات اجتماعية.
تُعد الاستثمارات الأجنبية من المصادر الرئيسية التي تعتمد عليها الدولة لتحفيز الاقتصاد الوطني، ولكن الغريب أن الفوائد الناجمة عن هذه الاستثمارات في كثير من الأحيان لا تذهب إلى الشعب المغربي ككل، بل تقتصر على فئة صغيرة جدًا. إذ تتفاوض الدولة مع الشركات الأجنبية والشركاء الاقتصاديين بطريقة تتجاهل مصالح المواطن البسيط. في معظم الأحيان، يتم تقديم الأراضي واليد العاملة بأرخص الأثمان، ما يؤدي إلى استغلال العمال المغاربة الذين يقتصر دورهم على توفير الأيدي العاملة الرخيصة، وتدني الأجور.
العامل المغربي في المصانع والمشاريع الكبيرة التي تملكها الشركات الأجنبية غالبًا ما يتقاضى أجورًا لا تكاد تفي بحاجاته الأساسية. على سبيل المثال، كثير من هؤلاء العمال يتقاضون أجورًا تقدر بحوالي 300 يورو شهريًا (حوالي 3,000 درهم)، في حين أن تكاليف الحياة الأساسية في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء مرتفعة جدًا، ما يعني أن العامل يعيش تحت خط الفقر، ويواجه صعوبة في تلبية احتياجات أسرته.
من بين الفئات الاجتماعية التي تعاني من الإقصاء والتهميش، تأتي فئة الجنود المغاربة الذين خدموا في صفوف القوات المسلحة المغربية لعقود طويلة. هؤلاء الجنود، الذين قدموا حياتهم فداءً للوطن، وأمضوا سنوات طويلة بعيدًا عن أسرهم، يعانون اليوم من تجاهل الحكومة وعدم تقدير تضحياتهم. على الرغم من أن هؤلاء الجنود هم من كان لهم دور كبير في حماية الحدود ودحر الأعداء، فإنهم في النهاية لا يحصلون على المكافآت التي تليق بتضحياتهم.
العديد من الجنود الذين قضوا أكثر من 30 عامًا في الخدمة العسكرية يتوفون اليوم في ظروف صعبة، ورغم التضحيات الكبيرة التي قدموها، فإن معظمهم يواجهون صعوبات في الحصول على أية معونات أو رواتب لائقة. حتى إذا كانت هناك بعض المخصصات المالية، فإنها تكون ضئيلة جدًا، مما يؤدي إلى تدهور أوضاعهم المعيشية. العائلات التي ترملت أو فقدت ربها بعد سنوات من الخدمة لا تحصل حتى على مساعدة مالية تكفي لتغطية تكاليف الحياة، بل أن بعضهم يحصل على رواتب لا تتجاوز 100 يورو شهريًا، وهي لا تكفي لتلبية احتياجات أساسية لعائلاتهم، رغم أن هؤلاء الجنود قد ضحوا بحياتهم وأوقاتهم من أجل خدمة الوطن.
إن هذا الوضع المؤلم يعكس حالة من الغضب والاستياء لدى الكثير من المواطنين الذين يطالبون بمزيد من العدالة الاجتماعية والمساواة. يتساءل العديد من المواطنين المغاربة كيف يمكن لبلد يمتلك العديد من الثروات الطبيعية والموقع الاستراتيجي أن يعيش فيه جزء كبير من الشعب في فقر، بينما يتمتع آخرون بثروات هائلة دون وجه حق. إن الفقر المدقع لا يقتصر على الفئات المهمشة فقط، بل يشمل أيضًا العاملين في قطاعات اقتصادية استراتيجية، كالزراعة والصناعة، الذين يظلون يكافحون للبقاء على قيد الحياة في ظل غياب دعم حقيقي من الدولة.
يبدو أن الإصلاحات المعلنة لا تزال قاصرة عن مواجهة هذه الفجوة الاجتماعية العميقة. فالحديث عن التنمية المستدامة والشاملة ما زال في معظمه مجرد شعارات لا تلامس الواقع. إن الشعب المغربي في حاجة إلى برامج حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية، تشمل تحسين مستوى التعليم، ضمان الرعاية الصحية للجميع، وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين العاديين.
الواقع الاجتماعي في المغرب يضع تحديات كبيرة أمام الحكومة والمجتمع المدني على حد سواء. إن التفاوت الكبير بين الفئات الاجتماعية لا يمكن أن يستمر بدون عواقب. إنه يهدد الاستقرار الاجتماعي ويعزز مشاعر الإحباط والغضب في صفوف الشباب والمواطنين المهمشين. من أجل بناء مجتمع أكثر عدلاً، يجب على الدولة أن تلتزم بتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال تحسين توزيع الثروات والفرص الاقتصادية، وتوفير فرص عمل لائقة، وضمان حقوق الأفراد الذين ضحوا من أجل الوطن.
المغرب بحاجة إلى تغيير جذري في طريقة تعامل الدولة مع مواطنيها، بحيث يتم النظر إلى المواطن على أنه عنصر أساسي في عملية التنمية، لا مجرد أداة تستخدم في أوقات الحاجة.