وزارة الأوقاف تعاضد الإصلاحات الاجتماعية في المغرب

ماموني

يعاضد الفقه الديني الإصلاحات الاجتماعية التي تقودها القيادة المغربية استجابة للتحديات والتطورات المجتمعية الراهنة التي تستوجب تظافر جهود جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لبلوغ الأهداف المنشودة.

وشدد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق في مداخلة له بندوة نظمها المجلس العلمي الأعلى، الأحد 01 ديسمبر الجاري بالرباط على أن ” تجربة الإصلاح تتطلب وعيا ضروريا بفقه مراعاة الأحوال، الذي أصبح أكثر تعقيدا بفعل طبيعة التحديات المتواترة.”

وأضاف التوفيق أن “الإصلاحات تدور جلها حول ثلاث نقاط هم: الخلاف حول قراءة النصوص، ومسألة الملاءمة مع تغير الأحوال، والانتفاض ضد فساد المؤسسات الدينية.”

وشدد على ” دور العلماء في دعم ثوابت الأمة، وتوطيد الأمن الروحي، وتسديد السلوك الأخلاقي، وتخليص المجتمع من غوائل الإجرام والإرهاب.”

 

رشيد لزرق: فهم الدين للتطورات المجتمعية يحصن الجبهة الداخلية

وفي الوقت الذي أشار فيه أحمد التوفيق، إلى أن جوهر الإصلاح الذي يدعو إليه العلماء يتمثل في “تذكير الناس بوعد الله بالحياة الطيبة المشروطة بالإيمان والعمل الصالح، المصحوب بالنهج النبوي في الهداية وأن هذا النهج قوامه الشفقة والنصح والرحمة،” فقد تطرق إلى التحديات التي تواجه العلماء في باب الإصلاح من قبيل غلبة الجانب المادي على الحياة المعاصرة، ومسألة تدبير الحرية وعلاقتها بعدم الإكراه في الدين من جهة، وما يشوب ممارستها من إفساد إذا غلبت الأنانية على المستوى الفردي والجماعي من جهة أخرى.

وعلق رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث، رشيد لزرق، في تصريح لـه، على الدور الحيوي للخطاب الديني المعتدل المتفهم للتطورات المجتمعية في تحصين الجبهة الداخلية، “الخطاب الديني المعتدل يشكل حصنًا منيعًا في مواجهة كافة التحديات اجتماعيا واقتصاديا وعقديا.”

وشدد على أن “مفهوم الإصلاح المتعلق بالإنسان مغاير تماماً لإصلاح المؤسسات السياسية والاجتماعية، وأن طموح العالم الديني للإصلاح في الشأن العام يتطلب منه الإدراك الضروري لفقه السياسة، باعتباره أعلى درجات فقه المعاملات، ومن جهة خلو الدعوة والداعي من شهوة النفس (خشنها ودقيقها)، واتباع أسلوب قوله تعالى لموسى وأخيه هارون: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً).”

واعتمد المغرب مقاربة إصلاحية استباقية حيث أطلق خطة لإصلاح الحقل الديني تقوم على تحصين المساجد من أي استغلال سياسي أو أيديولوجي والرفع من مستوى تأهيل الأئمة لخدمة قيم الدين ومن ضمنها قيم المواطنة وذلك في إطار مبادئ المذهب المالكي، كما شهد ميدان تكوين المرشدين الدينيين في المغرب تطورا كبيرا تعدى مجال العلوم الشرعية إلى العلوم الإنسانية واللغات وغيرها تؤهل الفقهاء على التفاعل بسرعة وكفاءة مع المستجدات.

 

منتصر حمادة: النموذج الديني المغربي منفتح على التعاطي الدقيق مع المتغيرات

ويرتكز ضبط وتدبير الحقل الديني في المغرب على ثلاثة أبعاد، أولها البعد النظري المتمثل في العقيدة الأشعرية باعتبارها لا تجيز التكفير، وبالمذهب المالكي باعتباره الاختيار الأصيل للأمة المجنب للخلاف في الجزئيات والتشويش على العموم، وبإمارة المؤمنين باعتبارها مصدرا للتشريع والتوجيه في هذا التدبير، حماية له من تشعب المواقف وتعددها في مستوى الأمة، ومن تشعب الآراء السياسية في مستوى المجتمع.

وأكد الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى سعيد شبار في ذات الندوة ، أن دور العلماء الإصلاحي والرسالة التي ينبغي أن يبلغوها “ضرورية وحيوية تأسيا بسلفهم القريب من الرواد الذين ساهموا في بناء المغرب الحديث، في سياق الحرص على الإصلاح في إطار الثوابت الدينية المغربية التي تعد اختيارات أسهمت عبر التاريخ في حفظ أمن المغرب واستقراره وطمأنينته وعلى رأسها إمارة المؤمنين.”

وأشار شبار إلى الدور المحوري للعلماء في إصلاح قطاعات الحياة المختلفة وانخراطهم في بناء مؤسسات الدولة، والإسهام في تنمية المغرب الحديث واستقراره وازدهاره، لافتا إلى الإمكانات التخليقية الكبرى التي ينبغي أن ي فعلها العلماء في قطاعات الحياة المختلفة المرتبطة بالمرافق الصحية والأسرية والاجتماعية والبيئية والأمنية، وغيرها .

ويرى خبراء في العلوم الاجتماعية، أن تعقيدات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية تصعب من عملية الإفتاء الفردي. لكن منتصر حمادة، الباحث بمركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، بالرباط، يؤكد في تصريح لـه أن “النموذج الديني المغربي المعتدل يمتلك بمؤسساته وعلمائه وأئمته ميزة فقهية منفتحة على التعاطي الدقيق مع المتغيرات التي تحدث داخل المجتمع وتحصينه على كافة المستويات.”

ولأجل تكوين علماء دين من مستوى جيد قادرين على إنتاج فتاوى تهم قضايا المجتمع، حرص المغرب خلال العشرين سنة الماضية، على تأهيل التعليم الديني من عدة جوانب، لاسيما من خلال التأطير القانوني، والرفع من عدد المؤسسات وإدخال آليات حديثة للتسيير وتقديم الدعم المادي والعلمي للمؤسسات التعليمية.

ويشير حمادة إلى أن “عملية الإفتاء في المغرب أصبحت منذ عقدين تقريبا مسألة مؤسساتية تتكلف بها الهيئة العلمية للإفتاء التابعة للمجلس العلمي الأعلى، وهي المؤسسة التي تسهر على أدائها مؤسسة إمارة المؤمنين وهو من أهداف إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب.”

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: