حديث المسؤولين في الاتحاد الأوروبي عن أهمية العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب ليس جديدا. سمعنا تصريحات هؤلاء في مناسبات عديدة. آخرها كان من المجر، التي أكدت بتاريخ 27 نوفمبر 2024 دعمها لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والاتحاد. ومع ذلك، فإن سياسة الجوار الأوروبية مع المغرب لا تتجاوز التصريحات والبيانات التي تحد في عمقها من طموح التعاون والتكامل مع بلد يملك الكثير من مقومات الاستقرار والطموح والموقع الجيواستراتيجي الأكثر فائدة للأوروبيين في عالم يتغير كل يوم. وعلى عكس تعامل الاتحاد الأوروبي مع بلدان شرق أوروبا، خصوصًا على مستوى اتفاقيات الشراكة التي تسهل الوصول إلى مستويات الأموال الهيكلية، كانت وتيرة تحرير التأشيرات للمغاربة بطيئة للغاية على سبيل المثال.
لا نستغرب تصريحات وزير الخارجية المغربي قبل أيام قليلة عندما أكد أن “المملكة المغربية تنتظر من الاتحاد الأوروبي إثبات التزامه بالشراكة عن طريق الأفعال وليس عن طريق الأقوال، وأنه ينبغي للاتحاد الأوروبي تثبيت الشراكة مع المغرب والدفاع عنها ضد الابتزاز والتحرش القانوني والاقتصادي، وأن المغرب ينتظر من الاتحاد الأوروبي كيف سيتعامل مع هذه الاستفزازات من خلال التدابير والسياسات التي سيتخذها للتعامل مع هذا الواقع.”
◄ علاقة محكمة العدل الأوروبية ملتبسة مع المغرب، المفروض أنها الذراع القانونية للاتحاد الأوروبي ومن الضروري أن تتماهى مع أهداف دوله وتدافع عن اختياراتها.. لا أن تعارض مصالحها الحيوية
الكلام واضح ودقيق ويضع النقاط على حروف الشراكة الثنائية. فالمغرب يطالب بالتزامات وإجراءات وقواعد عمل لا مجال فيها لأنصاف الحلول والمراوغة حول الوحدة الترابية للمملكة باعتبارها المنظار الذي يقيس به صدق شراكاته وعلاقاته، بل تتعداها إلى شراكات تضع في حسابها الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة المغربية. فرغم أن الاتحاد الأوروبي شريك مهم للمغرب نظرًا للقرب الجغرافي وحجم علاقاته الاقتصادية والإنسانية والسياسية، إلا أن المغرب لم يعد مهتمًا بعلاقة مع اتحاد ذي رؤية محدودة لا تراعي الإمكانيات التي يملكها المغرب ولا الشراكات التي نسجها عالميًا ولا الأدوار المتعددة التي يضطلع بها دوليًا وإقليميًا وأفريقيًا. الاتحاد الأوروبي بدا حبيسًا لنظرة تجاه المغرب لا تحمل الكثير من الإنصاف والمساواة.
لا بد للاتحاد الأوروبي من استيعاب ما أكده العاهل المغربي في خطاب افتتاح البرلمان في أكتوبر الماضي، عندما حدد نهاية مرحلة وبداية أخرى عنوانها الانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، ومن رد الفعل إلى أخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية. وهذا المتغير لا بد أن يلامس العلاقات مع كل هياكل الاتحاد الأوروبي دون استثناء.
جاء الوقت لتحمّل دول الاتحاد مسؤوليتها مع المكاسب التي حققتها المملكة في قضية الوحدة الترابية، والنظر إلى الموقف الإسباني والفرنسي الذي يدعم صراحة سيادة المغرب على صحرائه باعتباره نهجًا لا بد من السير وفقه، دون الاصطفاف ضد سيادة المملكة ومصالحِها من بوابة الصحراء.
فرنسا وألمانيا وإسبانيا دول أظهرت تحولًا في طبيعة العلاقات مع المملكة على أساس الندية والمساواة واحترام السيادة. تلك الدول التي تشكل العصب الحقيقي لهيكل الاتحاد الأوروبي اعترفت بوحدة المغرب الترابية دون تجزئة بين الشمال والجنوب، جوًا وبرًا وبحرًا. لكن الاتحاد لا يزال حبيس رؤية عاجزة عن مواكبة التحولات الجارية في هذا السياق. لهذا السبب نجد وزير الخارجية ناصر بوريطة يشدد على أن المغرب يتطلع إلى رؤية “أدلة ملموسة بالنسبة إلى هذه الشراكة، وهو ما ننتظره في الأسابيع والشهور القادمة.”
◄ مواقف مؤسسات الاتحاد الأوروبي وأعضائه يجب أن تكون منسجمة وغير مرتبكة في علاقاتها مع المملكة
المغرب في علاقاته مع أوروبا أصبح أكثر تطلبًا على الصعيد التجاري والاقتصادي وأقل استعدادًا للتنازل على صعيد سياسته الخارجية ووحدته الترابية، ويطالب الاتحاد الأوروبي خصوصًا بعلاقة على قدم المساواة. ويعكس موقعه ونفوذه مستوى مصداقيته على الساحة السياسية ومدى ثقل دبلوماسيته وما حققه من تقدم في المجال السياسي والاقتصادي والزراعي والبيئي، وحجم العلاقات التجارية والاقتصادية والأمنية مع القوى الإقليمية والعالمية كالصين وروسيا.
وإلى جانب أنه حليف أساسي في التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية إلى أوروبا، يتمتع المغرب بواحدة من أكثر العلاقات التجارية تطورًا مع الاتحاد الأوروبي. ويشمل ذلك منطقة التجارة الحرة التي أنشئت في عام 2000 لتحرير التجارة الثنائية في السلع، وآلية ثنائية لتسوية النزاعات، وبدء المفاوضات لإنشاء اتفاقية تجارة حرة عميقة وشاملة في عام 2013.
نعود إلى خطاب ألقاه الملك المغربي محمد السادس، في لقاء القمة الأولى بين المغرب والاتحاد الأوروبي، المنعقدة في مارس 2013 بغرناطة (جنوب إسبانيا)، حيث حدد رؤية المغرب للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي قائلًا “إن المغرب يعتبر أن هذه المرحلة النظامية الجديدة، في علاقته بالاتحاد، مدعوة لأخذ شكل شراكة متميزة، كفيلة بالاستثمار الأمثل للمكاسب والإنجازات المحققة، وجديرة بتقديم إجابات ملائمة وطموحة، لما تطرحه المستجدات الاقتصادية والإنسانية والإستراتيجية، لكل من المغرب والاتحاد الأوروبي.”
◄ المغرب يطالب بالتزامات وإجراءات وقواعد عمل لا مجال فيها لأنصاف الحلول والمراوغة حول الوحدة الترابية للمملكة باعتبارها المنظار الذي يقيس به صدق شراكاته وعلاقاته
الحديث عن الشراكة الثنائية رددته كثيرًا الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي السابقة، فيديريكا موغيريني، التي قالت “نحن الآن نبحث عن قفزة نوعية في علاقاتنا لبناء شراكة ذات نطاق إقليمي، والتي ترقى إلى مستوى توقعاتنا وتسمح لنا بتحقيق أهدافنا المشتركة في كل من البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.” وجرت مياه كثيرة تحت هذا الكلام وبقيت النتيجة واحدة، وهي أن هياكل الاتحاد الأوروبي برعت في تبادل الأدوار حسب الحالة والتوقيت والموضوع، فإما يخرج قرار من المحكمة الأوروبية يساوم أو يبتز وحدة التراب المغربي، أو يتكفل البرلمان الأوروبي بمسألة حقوق الإنسان ويركبها في جولة أخرى من المساومة.
في خطوة تجاوزت مبادئ السيادة والاتفاقيات التي تجمع بين المغرب والاتحاد الأوروبي، أصدرت محكمة العدل الأوروبية في أكتوبر الماضي حكمًا يلغي قرارين تجاريين لمجلس الاتحاد الأوروبي متعلقين باتفاقيتين أبرمهما المغرب والاتحاد بشأن الصيد البحري والزراعي وتشملان سواحل ومنتجات الأقاليم الجنوبية، وهو ما دفع المغرب إلى القول إن القرار يخص الاتحاد الأوروبي، ويؤشر في أحسن الأحوال على “جهل تام بحقائق الملف، إن لم يكن انحيازًا سياسيًا صارخًا.”
علاقة محكمة العدل الأوروبية ملتبسة مع المغرب، المفروض أنها الذراع القانونية للاتحاد الأوروبي ومن الضروري أن تتماهى مع أهداف دوله وتدافع عن اختياراتها السياسية والاقتصادية وعلاقاتها الخارجية، لا أن تعارض مصالحها الحيوية. نتحدث هنا عن موقف هذه المحكمة من الصحراء المغربية، حيث جاءت أحكامها ضد الوحدة الترابية المغربية بعدما انساقت وراء من يدعون إلى فصل التراب الجنوبي المغربي عن شماله ومنها المنتجات البحرية والمستخرجة من تحت الأرض.
مواقف مؤسسات الاتحاد الأوروبي وأعضائه يجب أن تكون منسجمة وغير مرتبكة في علاقاتها مع المملكة. فقبل عقد من الزمن شدد الملك محمد السادس على أن “بلادنا تتطلع إلى تدشين عهد جديد مع هذا الاتحاد، من خلال هذا الإطار من العلاقات، الذي من شأن بلورة وتفعيل آفاقه التعاقدية، ومقومات أجرأته، أن تضفي المزيد من الزخم والبعد الإستراتيجي، على المسار المستقبلي للعلاقة القائمة بيننا.” كان هذا في العام 2013، ونحن الآن أمام سيل من التحديات تحتاج إلى مقاربة واضحة وأكثر إنصافا ومنطقا.