إستراتيجية ماكرون بخفض القوات في أفريقيا تأتي بنتائج عكسية
تعتزم فرنسا خفض وجودها العسكري في غرب أفريقيا ووسطها، لكن إستراتيجية الرئيس إيمانويل ماكرون بالانسحاب التدريجي من الأزمات قد يأتي بنتائج عكسية ويزيد من تقليص نفوذ القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة في وقت تعمل فيه روسيا على ترسيخ موطئ قدمها هناك.
وسلّم مبعوث فرنسي من الرئيس إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع تقريرا به مقترحات عن كيفية خفض فرنسا وجودها العسكري في تشاد والغابون وساحل العاج حيث تنشر قوات لها منذ عقود.
ولم تُنشر تفاصيل التقرير، لكنّ مصدرين قالا إن الخطة تقوم على خفض عدد القوات إلى 600 من نحو 2200 الآن. وقال المصدران إن تشاد ستحتفظ بأكبر عدد بواقع 300 نزولا من ألف.
◄ الأفارقة يشعرون بأن الفرنسيين لم يعودوا في موقع يسمح لهم بضمان أمن المنطقة بعد تقليص القوات واكتفائها بالمراقبة
وفي مارس 2023، أطلق ماكرون في العاصمة الغابونية خطابا تاريخيا عن نهاية عصر الهيمنة الفرنسية في أفريقيا جرّد فيه باريس من بعدها الإمبراطوري ونفوذها الذي استمر لأكثر من قرن في أفريقيا، وقدّم بالمقابل صورة أخرى عن فرنسا جديدة بحجم أحلام رئيسها، لا تريد الصفوف الأمامية وترضى بالدور الثانوي.
وقال ماكرون إن عصر “فرنسا الأفريقية” قد انتهى وإن فرنسا صارت الآن “محاوراً محايداً” في القارة، وساهم هذا الخطاب في تأجيج النزعات السيادية في القارة التي اتسعت إلى حد الآن لتشمل خمس دول هي مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد والسنغال.
وتجد فرنسا نفسها في وضع معقد، فهي لم تعد قادرة على قيادة العمليات ضد المتشددين، وفي نفس الوقت لا تريد أن تخلي المكان وتبدو وكأنها انسحبت فعليا وهي التي تواجه منافسة إستراتيجية تزداد حدة بين القوى الكبرى وعلى رأسها روسيا.
وفي تحرك باغت المسؤولين الفرنسيين، أنهت حكومة تشاد الخميس على نحو مفاجئ اتفاق تعاون دفاعي مع فرنسا. وقد يجعل ذلك جميع القوات الفرنسية تغادر الدولة الواقعة في وسط القارة.
وعلى مدى عقود مثلت تشاد قاعدة انطلاق للوجود العسكري الفرنسي في الساحل والصحراء، في ظل اتفاقيات عسكرية مختلفة تتيح للقوات الفرنسية حرية الحركة والمراقبة في الإقليم والتدخل المباشر وغير المباشر في ليبيا ودارفور وأفريقيا الوسطى.
وفي ضربة مماثلة لفرنسا، قال الرئيس السنغالي بشير جوماي فاي للتلفزيون الفرنسي الخميس إن من غير الملائم أن تواصل القوات الفرنسية بقاءها في بلاده، حيث يوجد 350 عنصرا منها حاليا.
ويأتي قرار فرنسا مراجعة وجودها في غرب أفريقيا بعدما اضطر جنودها للانسحاب من مالي وبوركينا فاسو والنيجر عقب انقلابات عسكرية في الدول الثلاث وانتشار المشاعر المناهضة لفرنسا.
بشير جوماي فاي: من غير الملائم أن تواصل القوات الفرنسية بقاءها في بلاده،
وقال دبلوماسيون إن تلك أيضا إحدى التبعات لتحويل باريس مزيدا من اهتمامها إلى أوروبا وسط الحرب في أوكرانيا وتزايد القيود على الميزانية.
وذكر المصدران أن المراجعة تحمل تصورا بأن يركز الجنود الفرنسيون في المنطقة على التدريب وتبادل معلومات المخابرات والاستجابة لطلبات الدول من أجل المساعدة، بناء على احتياجاتهم.
وقال المصدران ومسؤولون آخرون إن تشاد لم تناقش مع فرنسا من قبل تحركها لإنهاء اتفاق التعاون معها، لذا باغت القرار باريس.
وتريد فرنسا الحفاظ على وجودها في تشاد لأسباب منها عملها على المساعدة في تخفيف واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية العالمية في السودان.
وقال أحد المصدرين، وهو مسؤول فرنسي مطّلع على شؤون تشاد، إن حكومة تشاد تعتبر في ما يبدو قرار فرنسا خفض وجودها العسكري بأكثر من النصف هناك استخفافا بها. وأضاف المصدر أن تشاد تشعر أيضا أن الفرنسيين لم يعودوا في موقع يسمح لهم بضمان أمن النظام العسكري الذي يقوده محمد إدريس ديبي.
وذكرت وزارة خارجية تشاد أن نجامينا تريد التأكيد التام على سيادتها بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال عن فرنسا، وذلك في بيان صدر مساء الخميس بعد ساعات من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الحدود السودانية شرق البلاد مع نظيره التشادي.
ويتباين الانسحاب الفرنسي بالإضافة إلى الانسحاب الأميركي من أفريقيا مع تزايد نفوذ روسيا ودول أخرى، منها تركيا والإمارات من خلال مشاريع استثمارية كبرى في القارة، في ما لا تمتلك فرنسا نفوذا اقتصاديا. ويسهم مرتزقة روس في دعم الحكومات العسكرية في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى مساعدتهم في قتال متشددين.
لكن مسؤولين فرنسيين ومصادر أخرى قللت من شأن قدرة روسيا على استغلال تراجع دور فرنسا في تشاد، على الأقل في الأمد القصير.