على الرغم من التطور الاقتصادي والاستثمارات الأجنبية التي يشهدها المغرب، واستقراره النسبي مقارنة بالعديد من دول المنطقة، يظل حلم الهجرة حاضراً بقوة في أذهان شريحة واسعة من الشباب المغربي. بل إن الظاهرة لم تعد مقتصرة على الفئات الفقيرة أو غير المؤهلة، بل امتدت لتشمل موظفين وأصحاب شهادات عليا يتركون وظائفهم ويخاطرون بحياتهم للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا. فما هي الأسباب التي تدفع المغاربة إلى مغادرة بلدهم رغم غياب الحروب أو الأزمات الكارثية؟
و على الرغم من الجهود المبذولة في مجال التنمية الاقتصادية، لا يزال الشباب المغربي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة، خصوصاً بين حملة الشهادات العليا. وحتى من يحصلون على وظائف، يجدون أنفسهم في أعمال ذات رواتب متدنية لا تكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يدفعهم للبحث عن مستقبل أفضل خارج الوطن.
هذا و يعاني النظام التعليمي في المغرب من فجوة كبيرة بين التكوين الأكاديمي ومتطلبات سوق العمل ، حيث يجد العديد من الخريجين أنفسهم غير مؤهلين لتلبية احتياجات السوق المحلي، مما يعزز شعور الإحباط ويدفعهم إلى البحث عن فرص في الخارج، حيث يُعتقد أن المهارات والكفاءات تحظى بتقدير أكبر.
و تشكل المحسوبية والفساد عائقين كبيرين أمام تحقيق تكافؤ الفرص في المغرب ، حيث يشعر الكثيرون بأن النجاح في الوطن مرتبط بالعلاقات الشخصية والانتماءات، مما يعزز فقدان الثقة في النظام ويغذي رغبة الهجرة بحثاً عن العدالة والفرص المتساوية.
و تحول الهجرة إلى أوروبا أو دول أخرى إلى رمز للنجاح الاجتماعي لدى العديد من الشباب المغربي ، ففكرة العيش في بلد يوفر ظروفاً معيشية أفضل من حيث الدخل، والخدمات الصحية، والتعليم، تغذي حلم الهجرة، حتى لو كانت المخاطرة بالهجرة غير الشرعية كبيرة.
و يشعر العديد من المغاربة، وخاصة الشباب، بالإحباط من الوضع السياسي، مع غياب فرص حقيقية للمشاركة في صنع القرار أو التغيير. و يتعزز هذا الإحباط بشعور التهميش الذي تعاني منه مناطق كثيرة، مما يدفع سكانها للبحث عن بدائل خارج البلاد.
كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تغذية فكرة الهجرة، حيث يعرض المهاجرون المغاربة صوراً لحياتهم في الخارج بشكل مثالي، دون الإشارة إلى التحديات والصعوبات التي يواجهونها، مما يخلق صورة زائفة تغري الشباب بخوض التجربة.
و للحد من ظاهرة الهجرة، يحتاج المغرب إلى تعزيز الإصلاحات الهيكلية في مجالات التعليم والتشغيل، ومكافحة الفساد، وتوفير بيئة تتيح للشباب تحقيق طموحاتهم داخل الوطن. كما يجب تكثيف البرامج التي تبرز المخاطر المرتبطة بالهجرة غير الشرعية وتقديم بدائل حقيقية.
و رغم التحديات، يظل الشباب المغربي ثروة يجب استثمارها لتطوير البلاد، بدلاً من أن تتحول إلى طاقات مهدورة في الخارج.