زيارة الرئيس الصيني إلى المغرب: خطوة مستقبلية في الصناعة والعلاقة مع الأجيال الصاعدة
ماموني
بكين لا ترى فائدة من ذكر الجزائر في موضوع بريكس بعد أن أصبح عدم انضمامها إلى المجموعة من تحصيل حاصل.
أجرى الرئيس الصيني شي جينبينغ زيارة قصيرة إلى المغرب مساء الخميس، قادما من البرازيل بعد حضوره قمة مجموعة العشرين، حيث استقبله ولي العهد الأمير مولاي الحسن يرافقه رئيس الحكومة عزيز أخنوش في مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء، ما يشير إلى خطوة مستقبلية في القطاع الصناعي وفي بناء علاقة مع الأجيال الصاعدة.
وتؤكد الزيارة الأهمية التي يحظى بها المغرب لدى الصين في العلاقة بالمحيط الإقليمي والتكتلات الاقتصادية الدولية مثل بريكس، حيث يبدو أن بكين لم تعد ترى فائدة في الإشارة إلى الجزائر في موضوع بريكس بعد أن أصبح عدم انضمامها إلى المجموعة من تحصيل حاصل.
وتنظر الصين باهتمام إلى المغرب لكونه بوابة مهمة نحو أفريقيا وأوروبا في الوقت نفسه، وهو ما يفيد الصناعات الصينية حيث تبحث بكين عن شراكات اقتصادية متينة ضمن مقاربتي بريكس و”الحزام والطريق”.
ويشير اللقاء بين ولي العهد المغربي والرئيس الصيني إشارة واضحة إلى أن الشراكة بين البلدين تتأسس على علاقات ومصالح تضمن استمرارها وتنوعها في العلاقة مع الأجيال الجديدة في البلدين. وتأتي زيارة الرئيس الصيني في الوقت الذي زاد فيه حضور ولي العهد وقربه من مؤسسات الدولة المختلفة، وهو ما يؤكد أنه يلعب دوره كاملا كولي للعهد ضمن مسار التطوير الذي تعيشه المملكة.
هشام معتضد: حضور الرئيس الصيني واستقباله من طرف ولي العهد المغربي نقطة أساسية في مشوار الثقة المتبادلة
وأكد هشام معتضد، الخبير المغربي في الشؤون الدولية والإستراتيجية، أن هذه الزيارة الخاصة والأولى من نوعها تدخل في إطار التوجهات الإستراتيجية على أعلى مستوى بين الصين والمغرب خلال السنوات الأخيرة لتزيد من توطيد العلاقات الثنائية، مشددا على أن عوائد هذه الزيارة على العلاقات الثنائية لن تنحصر في تنشيط العلاقات الخارجية بل ستلعب دورا حيويا في تعزيز البناء المشترك للرؤية الإستراتيجية للعلاقات المستدامة بين الرباط وبكين.
واعتبر معتضد، في تصريح لـه أن حضور الرئيس الصيني واستقباله من طرف ولي العهد المغربي نقطة أساسية في مشوار الثقة المتبادلة وأيضا ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، ذات الأبعاد الجيوإستراتيجية والسياسية التي ستمكّن العلاقات المغربية – الصينية من كسب المزيد من الإيجابية الإستراتيجية، ومواصلة التعاون السياسي البنَّاء مع تأطير تعاونهما الثنائي على مستوى التنمية المستدامة والدعم الاجتماعي والاقتصادي في أفريقيا.
ويرى مراقبون أن الشراكة متعددة الأوجه والفضاءات بين المغرب والصين يمكن أن تقود إلى اعتراف صيني بمقاربة الحكم الذاتي التي تطرحها الرباط كبوابة للحل في ملف الصحراء، وهذا يرجع إلى عنصرين؛ الأول دعم التعاون الاقتصادي وتعميقه بالاستثمار في الأقاليم الجنوبية، والثاني براغماتية الدبلوماسية الصينية التي تقارب الأمور بالمصالح، مؤكدين أن مصالح الصين المستقبلية مع المغرب.
وكانت جريدة “إسبيرال” الإسبانية نقلت عن مصادر صينية قولها، خلال زيارة الرئيس الصيني إلى جزر الكناري في طريقه إلى قمة العشرين بالبرازيل، إن بكين تستعد لفتح قنصلية عامة في مدينة العيون، والاستثمار في جسر بري بين الأقاليم الجنوبية الصحراوية والأرخبيل الإسباني.
واعتبر معتضد أن الديناميكية الحالية المحيطة بملف الصحراء المغربية، والتي شهدت اعترافات من دول مهمة كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، قد تدفع الصين إلى إعادة تقييم موقفها من الملف والاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه لأن المؤشرات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية تدفع إلى هذا التوجه.
وفي سبتمبر الماضي احتضنت بكين قمة منتدى التعاون الأفريقي – الصيني، بمشاركة المغرب. واستبعد الصينيون بوليساريو من أشغال المنتدى والاجتماعات التحضيرية. كما لم يتطرق المنتدى إلى ملف الصحراء رغم محاولات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف.
ويجذب المغرب مصنعي بطاريات السيارات الكهربائية الصينيين بفضل موقعه الجغرافي بالقرب من أوروبا واتفاقياته للتجارة الحرة مع أسواق رئيسية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وصناعة السيارات القائمة في المملكة.
وفي يونيو الماضي قالت الحكومة المغربية إن شركة جوتيون الصينية للتكنولوجيا الفائقة ستبني أول مصنع عملاق لبطاريات السيارات الكهربائية في المغرب بكلفة إجمالية تبلغ 12.8 مليار درهم (1.3 مليار دولار).
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الصيني قد أعلنا في مايو 2016 عن إنشاء شراكة إستراتيجية بين البلدين ووقعا العديد من الاتفاقيات في مجموعة متنوعة من القطاعات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية وغيرها، وهو ما توج في يناير 2022 بتوقيع المغرب والصين اتفاقية تهدف إلى زيادة التعاون بين البلدين بشكل كبير في إطار مبادرة “الحزام والطريق” في بكين.
واستعرض وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع نظيره الصيني وانغ يي، أثناء لقاء جمعهما ببكين في مايو الماضي، المبادرات الأخيرة التي أعلن عنها العاهل المغربي، خاصة تلك الرامية إلى تعزيز الاستقرار والأمن والازدهار الاقتصادي للبلدان الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، ومبادرة تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي.
وشدد وزير الخارجية المغربي بالمناسبة على أن الشراكة الإستراتيجية بين البلدين أثمرت نتائج ملموسة؛ حيث تضاعف حجم الاستثمار الصيني في المغرب خمس مرات من 2016 إلى 2023، بينما تضاعف حجم التبادل التجاري مرتين في الفترة نفسها، ما يجعل الصين الشريك الأول للمملكة آسيويّا.
ويراهن البلدان على تكامل اقتصادي يعزز مكانتهما على الساحة الدولية؛ حيث فتح المغرب الباب للاستثمارات الصينية في إطار رؤية المغرب 2030 بهدف تعزيز الاقتصاد الصناعي وتحقيق التنمية المستدامة، إذ أصبح المغرب منصة إقليمية للصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مع اهتمام خاص بالاستثمارات الصينية في قطاعات إستراتيجية مثل صناعات مكونات السيارات الكهربائية والرقائق الإلكترونية الدقيقة.
وأكد إدريس الفينة، رئيس مركز المستقبل للتحليلات الإستراتيجية في المغرب، ضمن تصريح لـه، أن المغرب يعتمد على الشركات الصينية في مجال البنية التحتية، لاسيما في المشاريع الكبرى مثل تطوير الموانئ والقطارات فائقة السرعة والطاقة المتجددة، كما تُعد الصين أحد أبرز الشركاء في تحقيق طموح المغرب لأن يصبح مركزًا إقليميّا للنقل والتجارة.
وتجد الصين في المغرب بوابة إستراتيجية للأسواق الأفريقية والأوروبية، حيث تستفيد من صادرات الأسمدة الفوسفاتية للمغرب، كأكبر مصدر عالمي للفوسفات، ويلعب دورًا رئيسيّا في تلبية حاجة الصين إلى الأسمدة لتأمين إنتاجها الزراعي.
وشهدت المبادلات التجارية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا، ليبلغ حجمها أكثر من 7 مليارات دولار، مع تسجيل نمو سنوي بنسبة 10 في المئة تقريبًا، ما يجعل الصين شريكا تجاريا مهما للمغرب، كما أن الاستثمارات الصينية بالمغرب شهدت تطورا ملحوظا بشكل أساسي في مجالات رئيسية من قبيل الصناعة والنقل والطاقات المتجددة والعقارات.
وأضاف الفينة أنه مع استمرار الصين في تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق”، يبقى المغرب شريكًا محوريًا بفضل موقعه الجغرافي المميز واستقراره السياسي والاقتصادي، ومن المتوقع أن تحقق هذه الشراكة قفزات نوعية في الأعوام القادمة، خاصة مع تعميق التعاون في مجالات البحث العلمي والابتكار التكنولوجي.