على مدى السنوات الأخيرة، شهد المجتمع المغربي تغييرات جذرية على الصعيدين الثقافي والاجتماعي، نتج عنها مظاهر تدعو إلى القلق. تتجلى هذه التغيرات في انتشار الفساد الأخلاقي، ضعف التربية القيمية، وابتعاد العديد من الأفراد عن الدين كمنظومة أساسية توجه حياتهم. هذه المظاهر ليست وليدة الصدفة، بل هي نتاج سياسات اجتماعية وثقافية وإعلامية ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في تفكيك البنية التقليدية للمجتمع المغربي.
من أبرز مظاهر تفكيك المجتمع هو الترويج لانحلال القيم الأخلاقية تحت مسميات “الحرية الشخصية” و”التطور الفكري”. أصبح الشباب المغربي معرضًا لتيارات فكرية وإعلامية تسعى لإضعاف ارتباطه بالقيم والتقاليد التي كانت تُعتبر أساس تماسك المجتمع.
البرامج التربوية والإعلامية، بدلاً من تعزيز القيم الإيجابية، أصبحت تُروِّج لسلوكيات تزرع الفساد والانحلال الأخلاقي في نفوس الأجيال الصاعدة. وقد ظهر هذا بشكل واضح في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت محتويات تُمجّد المظاهر السطحية، الفردية، والاستهلاك المفرط على حساب القيم الدينية والأسرية.
و من أخطر التحولات هو استبدال الدين، كمنظومة قيمية وروحية شاملة، بتيارات فكرية وسلوكية مضللة. أصبحت الطوائف الدخيلة والميولات الجنسية موضوعًا مركزيًا في النقاش العام والإعلامي، مما أضعف الحوار حول القضايا الأساسية التي تخص المجتمع.
بدلاً من تعزيز الوعي الديني الذي يُعتبر أساسًا لبناء شخصية متوازنة وأخلاقية، يتم الترويج لمفاهيم تستهدف زعزعة القيم، مما يؤدي إلى الابتعاد عن الدين والتشكيك فيه. ويُلاحظ اليوم أن الحديث عن القضايا الدينية أو القيم الأخلاقية أصبح يُواجَه بالسخرية أو التهميش، مما يعكس التحول الخطير في الأولويات الثقافية.
هذا و قد ساهمت المنظومة التعليمية والإعلامية في التركيز على مواضيع لا ترتبط مباشرة ببناء الإنسان أو خدمة المجتمع، مثل تاريخ الحروب الحديثة، أو الأطعمة النباتية، أو الاقتصاد المنزلي، على حساب المواضيع الجوهرية التي تُمكّن الأفراد من مواجهة تحديات الحياة العملية.
هذا التوجه يهدف إلى إلهاء الأفراد عن التفكير في القضايا العميقة التي تخص حياتهم الروحية والأخلاقية. بدلًا من تعليم المهارات الحياتية والدينية التي تبني مجتمعًا متماسكًا، يتم توجيه الاهتمام إلى أمور ثانوية تُشغل الأفراد عن أدوارهم الحقيقية في بناء الأسرة والمجتمع.
لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في تفكيك المجتمع المغربي. أصبحت هذه المنصات أداة لنشر ثقافة الاستهلاك، الفردانية، والتفاهة. من خلال تعزيز المحتويات السطحية والمحتويات التي تشجع على الانفصال عن القيم الدينية والأسرية، تسهم مواقع التواصل الاجتماعي في تفكيك الروابط الاجتماعية التي كانت تُعتبر العمود الفقري للمجتمع.
لمواجهة هذا التفكك، ينبغي اتخاذ خطوات جادة لإعادة بناء المجتمع على أسس سليمة و ذلك بإصلاح التعليم حيث يجب أن يركز التعليم على القيم الدينية والأخلاقية وتنمية التفكير النقدي والمهارات العملية و إعادة الدين إلى صلب الحياة اليومية من خلال التعليم، الإعلام، والمساجد.
كما يجب على السلطات الامنية و القضائية ضبط المحتويات التي تُروَّج في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بما يخدم القيم المجتمعية و معاقبة كل دعوة إلى الانحلال الخلقي أو تسيء للمجتمع المغربي . كما يجب إعادة الاعتبار لدور الأسرة كمؤسسة تربوية واجتماعية، وتعزيز الروابط بين أفرادها.
إن التحديات التي تواجه المجتمع المغربي في العصر الحالي ليست مستعصية على الحل، لكنها تتطلب وعيًا جماعيًا وإرادة سياسية وثقافية لإعادة بناء الإنسان المغربي على أسس متينة تحفظ له دينه وأخلاقه، وتضمن استقراره النفسي والاجتماعي.