يعتبر الإعلام من أقوى الأدوات تأثيرًا في تشكيل وعي المجتمعات، وصناعة قيمها وتوجهاتها. إلا أن الإعلام المغربي، في السنوات الأخيرة، وبدلاً من أن يكون وسيلة لرفع مستوى الوعي وترسيخ القيم الأخلاقية، أصبح يساهم بشكل مباشر في تعزيز مظاهر الانحلال الأخلاقي، ونشر التفاهة، وطمس القيم التي كانت تشكل الهوية الثقافية والدينية للمجتمع المغربي.
واحدة من أبرز الإشكاليات هي التركيز على الفضائح الأخلاقية في الإعلام، سواء عبر البرامج الحوارية أو الأخبار أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي التي يديرها بعض الإعلاميين. أصبحت الفضائح الخلقية مادة إعلامية يتم الترويج لها تحت مسمى “الجرأة” و”حرية التعبير”، لكنها في الواقع تخدم ثقافة الاستهلاك الإعلامي القائم على إثارة الغرائز وجذب الانتباه.
هذا التوجه أسهم في تطبيع السلوكيات غير الأخلاقية بين فئات من المجتمع، خاصة الشباب، الذين يتأثرون بما يشاهدونه دون وعي نقدي كافٍ.
فالإعلام المغربي لم يكتفِ فقط بنقل الفضائح، بل انتقل إلى إنتاج ربورتاجات وبرامج تُبرز موضوعات مثل الشدود الجنسي، العلاقات غير الشرعية، أو مواضيع أخرى بحجة “معالجة القضايا الاجتماعية”، لكنها في الواقع تقدم هذه السلوكيات كأمور عادية أو حتى مبررة في بعض الأحيان و البحث عن الادسنس.
و بدلاً من تعزيز الخطاب الديني أو الأخلاقي لمعالجة هذه المشكلات، ينحاز الإعلام في كثير من الأحيان إلى تقديمها كجزء من “الحرية الشخصية” و”حقوق الإنسان”، متجاهلاً أثرها السلبي على التماسك الاجتماعي والقيم الثقافية.
جانب آخر خطير هو الانتشار الواسع للمحتوى التافه في القنوات والمنصات الإعلامية، سواء على شاشات التلفزيون أو عبر الإنترنت. تُعطى الأولوية لمحتويات الترفيه السطحي كبرامج الواقع المليئة بالمشاحنات التافهة والترويج لمشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين يفتقرون إلى القدوة الأخلاقية ناهيك عن بث أغاني وأعمال فنية خالية من القيمة الثقافية أو الأخلاقية.
هذا النوع من المحتوى يصرف انتباه الجمهور عن القضايا الحقيقية التي تواجه المجتمع، مثل البطالة، التعليم، الصحة، والفساد، ويُشغلهم بما لا يُفيد.
إن الانحدار الإعلامي أسهم بشكل مباشر في تدهور القيم الأخلاقية لدى المجتمع المغربي، خاصة إضعاف دور الأسرة بتقليل دورها كمصدر رئيسي للتربية الأخلاقية، حيث يتلقى الأطفال والشباب القيم من وسائل الإعلام بدلاً من عائلاتهم وإرباك القيم الدينية: عبر تقديم المحتويات التي تتعارض مع التعاليم الإسلامية والقيم التقليدية وجعل السلوكيات غير المقبولة اجتماعيًا ودينيًا تبدو طبيعية أو حتى مرغوبة.
لمواجهة هذا التأثير السلبي للإعلام على المجتمع، يجب تدخل المجلس الوطني للصحافة و وزارة الاتصال لاتخاذ خطوات عملية تشمل وضع ضوابط قانونية للمحتوى الإعلامي بمراقبة الإنتاج الإعلامي لضمان التزامه بالقيم الأخلاقية والاجتماعية ودعم القنوات والبرامج التي تعزز الوعي الأخلاقي والديني، وتشجع على الحوار البنّاء حول قضايا المجتمع و تعليم الجمهور كيفية التمييز بين المحتوى المفيد والضار، وتنمية التفكير النقدي تجاه ما يُعرض في وسائل الإعلام.
الإعلام المغربي، بدلاً من أن يكون رافعة للمجتمع، بات أداة تهدم القيم الأخلاقية والثقافية. ولتفادي المزيد من الانحلال، يجب إصلاح الإعلام جذريًا ليعود إلى دوره الحقيقي كمنبر لبناء الإنسان والمجتمع، وليس تفكيكهما.