حملة مغربية رسمية وشعبية على المخلين بالذوق العام على مواقع التواصل
“إبلاغ”.. منصة تشرك المواطنين في مطاردة المحتوى المسيء للمجتمع.
استجابت السلطات المغربية للمطالب المتزايدة من قبل المواطنين بملاحقة ناشري المحتوى الهابط و الخادش للحياء والمسيء للمجتمع، عبر الملاحقة القضائية لأصحابه إضافة إلى إطلاق منصة تمكن المستخدمين من الإبلاغ عن المسيئين.
يشتكي الكثير من المغاربة من انتشار محتويات “خادشة للحياء العام” أو “ماسّة بالآداب العامة“ تزامنت مع ظهور فيديوهات ما يُعْرَف بـ“روتيني اليومي” التي اتسعت لتتخذ أشكالا أخرى، كثيرا ما تتضمن السّب والشتم.
وتتناول هذه المحتويات مواضيع تتراوح بين الفساد الأخلاقي والإساءات اللفظية، مما يثير قلقًا عميقًا في الأوساط العامة ويزيد من الضغوط على الجهات المسؤولة لاتخاذ إجراءات فعالة. حيث يطالب المجتمع المدني والفعاليات السياسية، باتخاذ إجراءات حاسمة لمحاربة هذه الظاهرة السلبية، التي تؤثر على النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع.
وقال وزير الشباب والثقافة والاتصال محمد مهدي بنسعيد، إن مسؤولية محاصرة التفاهة والمحتويات الخادشة للحياء المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي هي “مسؤولية مجتمعية”، مؤكدًا أن المواطنين لديهم الحق في اللجوء إلى القضاء لمواجهة هذه الظاهرة.
وأوضح بنسعيد، أن القانون الجنائي المغربي يعاقب على جميع الأفعال المرتبطة بنشر أي محتوى خادش للحياء أو محرض على العنف الجنسي، إلى جانب الأفعال الأخرى المرفوضة قانونيًا. وأشار إلى أن المواطنين يمكنهم استخدام هذا الإطار القانوني لحماية أنفسهم والمجتمع من مثل هذه المحتويات الضارة.
وأضاف أن الوزارة تعمل على نشر عدد من المواضيع والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز المحتويات الإيجابية، مشددًا على أهمية هذه الجهود في الحد من انتشار التفاهة والمحتويات التي تؤثر سلبًا على المجتمع المغربي.
واستجابة لشكاوى المواطنين تمت إحالة العديد من ناشري المحتوى المسيء إلى القضاء، وتم الحكم خلال هذا الاسبوع ضد أحد ناشري المحتوى الرقمي، بأربعة أشهر حبسا نافذا بتهمة “الإخلال بالحياء العام” والذي ينص عليه الفصل 483 من القانون الجنائي.
ويؤكد هذا الفصل أنه ”من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء؛ وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسمئة درهم. ويعتبر الإخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره، أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم.”
إقرأ أيضا: تفكيك المجتمع المغربي: الواقع والتحديات
كما تواصل الشرطة المغربية التحقيق مع بعض حتالات التيكتوك في أكثر من تهمة، أبرزها جناية الاتجار بالبشر. وحسب مصادر مطلعة أن الشرطة صادرت هواتفه ومنعته من مغادرة التراب المغربي حتى نهاية التحقيق. وذلك بعد شكوى تقدّمت بها الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان تتهمه بـ”الاتجار بالبشر والإخلال العلني بالحياء والسب والقذف والمس بالحياة الخاصة للأفراد.”
ونشرت الرابطة بياناً قالت فيه إن شكواها تستند إلى تسجيل تداولته مواقع التواصل، تضمّن مكالمة هاتفية بين أحد الأشخاص. ودارت المكالمة حول المتاجرة بأجساد ذكور وإناث، مع ذكر أسعارهم. كذلك اتهم البيان محتوى هذا التافه بأنه “ما بين زيجات مشكوك في صحتها، وبين سب وقذف وتشهير بالمواطنات والمواطنين، مع ما يصاحب ذلك من إخلال علني بالحياء.”
الوزارة تعمل على نشر عدد من المواضيع والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز المحتويات الإيجابية
وأعرب العديد من المغاربة عن ترحيبهم بالتحرك القانوني للحد من تطاول بعض المؤثرين، وقال الصحافي والإعلامي محمد واموسى، في تغريدة على حسابه في اكس، أن “اعتقال بعض تافهي مواقع التواصل خطوة في الاتجاه الصحيح، ونأمل أن تكون البداية لحملة شاملة تطال باقي الشخصيات التي أفسدت الفضاء الرقمي المغربي.”
وأضاف “هذه الكائنات التي صنعت نجومية وهمية بالكلام الفاحش، وخدش الحياء، وتلويث سمعة البلاد، يجب أن تُواجه بالحزم اللازم. دور النيابة العامة في تطهير المجتمع من هذه النماذج ضرورة لحماية القيم والأخلاق، ووقف الانحدار الذي يهدد الذوق العام ومستقبل الأجيال.”
ويبدو في هذا الصدد أن الطريقة التي يجب التعامل بها مع المحتويات التي تطابق في شكلها وجوهرها ما ينص عليه هذا النص القانوني تعرف نوعا من التباين، إذ يتبنى طرف فكرة “ضرورة تكييف هذه الأفعال مع نص القانون وعدم التسامح فيها، خصوصا أنها تحقق شرط العلانية، ومن شأنها ذلك أن يحد منها،” في حين أن طرفا آخر يؤكد أن الأمر “يرتبط أساسا بالتربية ومدى الإلمام باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بمعنى أن تطبيق القانون لوحده لن يكون ذا فعالية.”
وأكد سعيد معاش، محام بهيئة المحامين بالدار البيضاء، أن القانون المغربي يعاقب على الإخلال العلني بالحياء، خصوصا في الفصل 483 من القانون الجنائي الذي يشير إلى أنه “يعاقب من ارتكب الإخلال العلني بالحياء بالعري المتعمد والبذاءة في الإشارات أو الأفعال يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من 120 درهما إلى 500 درهم.”
السلطات المغربية اتخذت العديد من المبادرات لإشراك المواطنين في الحد من المحتوى المسيء للمجتمع
وأضاف معاش، في تصريح له، أن “أهم الأركان هو الفعل في حد ذاته، ثم العلانية، حيث إن الإخلالَ العلني بالحياء يتحقق إذا حضر الفعلَ شخصٌ أو أكثر وكان من الممكن أن يره الكل،” وتابع “من النظرة الواقعية لم يعد هناك حديث عن واقع افتراضي، بعدما انطبق على العالم الواقعي، بحيث أصبحت كل جنحة أو جريمة أو مخالفة ارتكبت في العالم الافتراضي، بما فيها الإخلال العلني بالحياء أو التهديد أو النصب، كأنها ارتكبت في العالم الواقعي.”
إقرأ أيضا : الإعلام المغربي ودوره في تدهور القيم الأخلاقية
ونوه إلى “وجود تساؤلات في هذا الصدد تتعلق بمثل هذه المسائل، حيث غالبا ما تقوم النيابة العامة، كممثلة للمجتمع، بتحريك الدعوى العمومية والسهر على حسن تطبيق القانون والذود عن سيادته في إطار احترام مبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية،” موردا أن “أي متضرر يمكنه اللجوء إلى القضاء عن طريق شكاية.”
كما اعتبر أن “كل هذا المسار من شأنه الحد من مثل هذه الممارسات، موازاة مع الحديث المتواصل عن التفاهة والإخلال العلني بالحياء العام على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي؛ غير أن العمل في هذا الصدد يبقى مسؤولية مشتركة”، لافتا إلى أن “المعركة يجب أن تنطلق من الوعي ثم الزجر”.
واتخذت السلطات المغربية العديد من المبادرات لإشراك المواطنين في الحد من المحتوى المسيء للمجتمع، حيث أطلقت المديرية العامة للأمن الوطني، في يونيو الماضي المنصة الرقمية “إبلاغ” المخصصة للتبليغ عن المحتويات غير المشروعة على شبكة الأنترنت، والتي يمكن الوصول إليها من داخل المغرب وخارجه.
وأفاد بيان للمديرية العامة بأن منظومة “إبلاغ” هي عبارة عن منصة رقمية تفاعلية، تسمح لمستخدمي شبكة الأنترنت ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بالتبليغ الفوري والآمن عن كل المحتويات الرقمية الإجرامية والعنيفة، أو تلك التي تتضمن تحريضا على المساس بسلامة الأفراد والجماعات، أو تنطوي على إشادة بالإرهاب والتحريض عليه، أو تمس بحقوق وحريات الأطفال القاصرين وغيرهم.
وشددت على أنه “تم الحرص في تطوير وبناء هذه المنصة الجديدة على مراعاة مجموعة من الضوابط والأخلاقيات المتعلقة بآليات استقبال ومعالجة تبليغات المواطنين عن المحتويات الرقمية غير المشروعة، خصوصا في الجوانب المتعلقة بتأمين حماية صارمة للمعطيات الشخصية لمستعملي هذه المنصة، علما أن آلية التبليغ نفسها التي تم اعتمادها توفر عدة خيارات تتيح للمستعملين إما التصريح بمعطياتهم التعريفية أو عدم كشفها.”
وتكرس هذه المنصة، مرتكزات ومفاهيم أمنية ضرورية، “من بينها الإنتاج المشترك للأمن الذي يجعل المواطن شريكا في توطيد الأمن في مفهومه الواسع، من خلال التبليغ عن كل التهديدات والمخاطر المحتملة، كما تجسد هذه المنصة كذلك واجب التحذير الذي يفرض على الجميع الإخطار والتبليغ عن كل الجرائم ومحاولات الجرائم التي تتهدد أمننا الجماعي.”