أين تذهب خيرات المغرب؟ تساؤلات مشروعة وحيرة مستمرة

في بلد يُعتبر من أغنى الدول الإفريقية بثرواته البحرية والطبيعية، يعيش معظم المغاربة في ظل أزمات اجتماعية واقتصادية خانقة. وبينما يطفو السؤال الشهير “أين الثروة؟” الذي طرحه الملك محمد السادس في خطابات سابقة، تظل الإجابة غائبة عن أذهان المغاربة، الذين يرون الخيرات تُستخرج من أرضهم وبحرهم دون أن ينعكس ذلك على حياتهم اليومية.

المغرب، بفضل امتداد سواحله على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، يُعد واحداً من أغنى الدول في الموارد البحرية. قطاع الصيد البحري، الذي يُلقب بـ”الذهب الأزرق”، يساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني. ومع ذلك تمنح التراخيص لشركات أجنبية لاستغلال المخزون البحري، بينما يعاني الصيادون المحليون من ضعف التجهيزات وغياب الدعم، و لا تظهر عائدات هذا القطاع بشكل واضح في مشاريع التنمية المحلية أو في تحسين البنية التحتية للمناطق الساحلية.

كما أن المغرب يُصنف كأول مصدر للفوسفات عالميًا، ويُعد من البلدان الغنية بالذهب، الفضة، والنحاس. هذه الثروات المعدنية الهائلة تجعل من المغرب دولة ذات إمكانات اقتصادية واعدة. لكن الواقع يشير إلى غير ذلك فالفوسفات، الذي يُعتبر “نفط المغرب”، لا يعكس ثروته على المواطن العادي، حيث تظل الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم تعاني نقصًا حادًا، كما أن الشفافية في الإعلان عن أرباح وعائدات هذه الموارد يجعل المواطنين في حيرة من أمرهم، في ظل استمرار الفقر والبطالة.

و يعاني الاقتصاد المغربي من اختلال هيكلي أدى إلى تلاشي الطبقة المتوسطة، التي كانت تُعتبر سابقًا عماد الاستقرار الاجتماعي. الوضع الحالي يتميز بوجود طبقتين فقط، طبقة غنية، تتحكم في معظم الموارد والثروات، و طبقة فقيرة، تكافح يوميًا لتلبية احتياجاتها الأساسية.

كما أن ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف الأجور يزيدان من اتساع الفجوة الاجتماعية، حيث يواجه أغلب المغاربة صعوبات يومية مع تراجع الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.

و تُعد المحاسبة في المغرب من أكبر الإشكاليات التي تواجه النظام السياسي والاقتصادي حيث أن المسؤولين عن إدارة موارد الدولة لا يخضعون لقوانين واضحة تجبرهم على كشف مصادر ثرواتهم أو تبريرها، كما أن غياب قوانين صارمة لتطبيق مبدأ “من أين لك هذا؟” يجعل من السهل تفشي الفساد دون رادع.

فالخطابات الملكية، التي تساءلت صراحة عن مصير الثروة، كانت بمثابة صرخة للتحذير من الفساد وسوء التسيير. ورغم ذلك، لم تواكب هذه الخطابات إصلاحات عملية جذرية لمعالجة الأزمة.

إن إنقاذ المغرب من هذه الهوة يتطلب إرادة سياسية قوية وبرامج إصلاحية عميقة، تضع المواطن في صلب الأولويات ، يبقى السؤال الذي يتردد في الشارع المغربي: لماذا لا يستفيد المواطنون من خيرات بلادهم؟ في غياب الشفافية والعدالة الاجتماعية، سيظل المغرب حبيس معادلة غير متوازنة بين ثروات طبيعية ضخمة وشعب يعاني من الفقر والتهميش. ولعل الإجابة على هذا السؤال تبدأ بإصلاحات حقيقية تنقل المغرب من مرحلة التساؤل إلى مرحلة العدالة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: