بلجيكا تضاعف ترحيل المغاربة في وضعية غير قانونية: بين القوانين الأوروبية والتوترات الإنسانية
شهدت بلجيكا في عام 2024 ارتفاعاً غير مسبوق في عمليات الترحيل القسري للمهاجرين المغاربة الذين يوجدون في وضعية غير قانونية، حيث تضاعف العدد أربع مرات مقارنة بالسنة الماضية. ويأتي هذا التصعيد في إطار سياسة هجرة أوروبية أكثر صرامة، مدعومة باتفاقية جديدة بين المغرب والاتحاد الأوروبي أُبرمت في أبريل الماضي، تتيح ترحيل حتى القاصرين المغاربة.
هذا و تسمح الاتفاقية التي وُقّعت بين المغرب والدول الأوروبية في أبريل 2024 بترحيل المهاجرين غير الشرعيين، بما في ذلك القاصرون، إلى المغرب. أثارت هذه الاتفاقية جدلاً واسعاً بين جمعيات حقوق الإنسان التي اعتبرتها تجاوزاً للمواثيق الدولية التي تحمي حقوق الأطفال والمهاجرين.
ورغم أن المغرب قد أبدى تعاوناً مع الدول الأوروبية في هذا السياق، إلا أن العديد من الأسئلة تُطرح حول قدرة المملكة على استقبال هذا العدد المتزايد من المرحّلين وضمان إدماجهم في المجتمع.
منذ عام 2009، لم تُقدِم السلطات البلجيكية على أي مبادرة لتسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين، مما فاقم الوضع. يعيش آلاف المغاربة في بلجيكا تحت تهديد الترحيل دون أي أفق لتقنين إقامتهم، ما يجعلهم عرضة للاستغلال الاقتصادي والاجتماعي.
تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن الشرطة البلجيكية قامت بترحيل أعداد متزايدة من المغاربة عبر رحلات على متن الخطوط الملكية المغربية. وفي كثير من الحالات، يتم الترحيل بالقوة، وهو ما أثار استياء العديد من منظمات حقوق الإنسان التي تطالب بمعاملة إنسانية تحفظ كرامة المهاجرين.
يعاني المهاجرون غير الشرعيين المحتجزون في مركز الترحيل “سينوكيرزيل” ببلجيكا من ظروف قاسية بسبب الاكتظاظ وسوء المعاملة. هذا السجن، الذي يخصص لاستقبال المهاجرين في انتظار ترحيلهم، أصبح رمزاً للسياسات الأوروبية المتشددة ضد المهاجرين.
مع تزايد هذه العمليات، تدعو منظمات حقوقية في المغرب وأوروبا إلى إعادة النظر في سياسات الترحيل، والتركيز على إيجاد حلول إنسانية بدلاً من الإجراءات القسرية. تشمل هذه الحلول تعزيز برامج الإدماج، تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين، وتوفير فرص اقتصادية بديلة في بلدانهم الأصلية للحد من الهجرة غير النظامية.
وأجمعت دول الاتحاد في مخرجات قمتها على الدعوة إلى “اتخاذ إجراءات حازمة على كل المستويات لتسهيل وتسريع عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين من الاتحاد الأوروبي”، وتقديم “اقتراح تشريعي جديد في أقرب وقت ممكن”.
وناقشت القمة باستفاضة فكرة ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى “مراكز للعودة”، وفق وسائل إعلام أوروبية، أكدت أن الفكرة لا تحظى بإجماع القادة الأوربيين، إذ قال رئيس الوزراء الاسباني على هامش أشغال القمة إن هذه المراكز “لا تعالج أيا من المشكلات، بل تخلق مشاكل جديدة”.
ووفق المصدر ذاته فقد عُقدت القمة غداة إرسال إيطاليا أول دفعة من المهاجرين إلى مراكز استقبال بألبانيا، بموجب اتفاق بين البلدين، وكذا “تنظيم الإيطالين اجتماعا غير رسمي بحضور ميلوني لتشجيع هذه الحلول المبتكرة لمواجهة الهجرة، حضرته حوالي عشر دول، بينها هولندا واليونان والنمسا وبولندا والمجر، كما حضرت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين”.
ويقول الصحفي بوشعيب البازي المهتم بقضايا الهجرة إنه “من المستبعد أن يقبل المغرب باحتضان مثل هذه المراكز، بالنظر إلى انطوائها على انتهاك للسيادة، وتعارضها مع سعيه إلى الريادة قاريا في تدبير ملف الهجرة، فضلا عن كون المقاربة التي تننبي عليها لا تستحضر مبدأ المسؤولية الثلاثية، أي مسؤولية دول الانطلاق والعبور والمهجر، الذي تشدد عليه المملكة”.
بوشعيب البازي، باحث مختص في قضايا الهجرة واللجوء، قال إن “هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها مُقترح بناء ‘مراكز العودة’ بدول المنطلق أو دول العبور، من قبل مسؤولي الاتحاد الأوروبي أو قادة الدول الأعضاء، خصوصا المنتمين إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة، الذين يرون في تشديد سياسات الهجرة وسيلة للحصول على مكاسب سياسية وانتخابية”، مُردفا بأن “المغرب حسم، منذ سنوات، موقفه الرافض لقبول احتضان مثل هذه المراكز على أراضيه، بفعل وعيه بما تنطوي عليه من تبعات سياسية ودبلوماسية وحقوقية”.
وأضاف البازي، أن “المملكة المغربية ترى أن قبولها بهذه المراكز يتعارض وريادتها قاريا على مستوى تدبير ملف الهجرة، وكذا سياستها التي تركز على معالجة هذه الإشكالية على مستوى الدول الإفريقية، وهو ما كان من بين تمظهراته احتضان المرصد الإفريقي للهجرة”، مُوضحا أنه “كانت ثمة ضغوطات وإغراءات مالية من قبل دول الاتحاد الأوروبي لتونس ومصر لإقناعهما باحتضان مثل هذه المراكز، إلا أن المغرب تمكن من إقناعهما بأن القبول بهذا المقترح لا يصب في صالح تقوية الموقف التفاوضي لدول شمال إفريقيا في ملف الهجرة أمام الدول الأوروبية”.
وأكد الباحث المختص في قضايا الهجرة أن “الرفض المغربي لهذه المراكز راجع أيضا إلى كونها تتعارض مع مختلف الاتفاقيات الدولية المؤطرة لحقوق المهاجرين التي صادقت عليها المملكة”، مُوردا أن “هذه المراكز لن تحل وفق المنظور المغربي إشكالية الهجرة، بشكل جذري، بقدر ما ستجعل الدول التي تقبل استقبالها بدورها عرضة لتدفقات هجروية، مع ما سيرافق ذلك من مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية داخل هذه الدول”.
وشرح البازي، أنه “في وقت تسعى هذه الدول إلى خفض أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين عليها تقوم بتبني مقاربة براغماتية لجلب العمالة الماهرة من دول الجنوب؛ من خلال تقديم مساعدات مالية مهمة لهذه الأخيرة في قطاعات أساسية على رأسها التعليم والتكوين المهني، ما يسمح بالحصول على حصة مهمة من الكفاءات والأدمغة”.
واستبعد البازي، أن “يقبل المغرب باحتضان أحد مراكز العودة، بالنظر إلى كونه يتبنى مقاربة لملف الهجرة تقوم على تدبيره بين مختلف المكونات من خلال مبدأ المسؤولية الثلاثية، أي مسؤولية دول المهجر والعبور والمنطلق”، مُوضحا أنه “انطلاقا من هذه المقاربة عبّر وزير الخارجية المغربي أخيرا عن استعداد المملكة لإعادة كل مواطن ثبت أنه مغربي الجنسية، واستنادا إليها أيضا يشدد على تحميل دول المنطلق مسؤوليتها في هذا الإطار بالنظر إلى أن أحد العوامل الرئيسية لهجرة مواطنيها يتمثل توفيرها شروط العيش الكريم في نهاية المطاف”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “من بين ما يعيق تقوية الموقف التفاوضي لدول القارة السمراء أمام الدول الأوروبية في ملف الهجرة، ويدفع هذه الأخيرة نحو مزيد من التشدد، هو عدم التنفيذ الكامل للأجندة الإفريقية للهجرة من الاتحاد الإفريقي، رُغم الدعوات المغربية المتكررة، باستثناء المرصد الإفريقي للهجرة الذي بدوره لم يتم تفعيله بشكل كامل رغم مرور أربع سنوات على تأسيسه”.
بينما تسعى بلجيكا والدول الأوروبية إلى الحد من الهجرة غير الشرعية، يظل التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين احترام القوانين الوطنية والدولية وضمان الكرامة الإنسانية للمهاجرين. في ظل غياب هذا التوازن، تبقى الأوضاع مرشحة للتأزم، ما لم تُتخذ خطوات أكثر شمولية وإنسانية لمعالجة جذور المشكلة.