تعديل حكومي يكرس تمدد الجيش الجزائري في مفاصل الدولة
شكل تعيين الجنرال سعيد شنقريحة وزيرا منتدبا لدى وزير الدفاع علامة فارقة في التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، مكرسا بذلك تمدد نفوذ الجيش داخل مؤسسات الدولة، ومانحا الغطاء السياسي لرجل ظل منذ ست سنوات ملازما للرئيس، رغم عدم وجود التراتبية الدستورية بين المسؤولين والمنصبين.
وفاجأ الرئيس الجزائري المتابعين بتعيين شنقريحة وزيرا منتدبا لدى وزير الدفاع في التعديل الحكومي المعلن عنه الاثنين في قصر المرادية، وهو ما يشكل تجسيدا للتناغم بين مؤسستي الرئاسة والجيش، ودحضا لما يتردد عن خلافات وتجاذبات حول صلاحيات ونفوذ الأطراف الفاعلة في السلطة.
وبهذا التعيين يكون الرجل القوي داخل المؤسسة العسكرية قد حاز دورا جديدا داخل الأجهزة الرسمية المدنية، فيكون حاضرا في مجالس الحكومة والوزراء ويستمع ويقدم ويناقش مختلف التقارير، الأمر الذي يعتبر غطاء سياسيا يضاف إلى مهامه الأصلية كقائد ميداني لقوات الجيش.
وظل الجنرال شنقريحة منذ تعيينه في منصبه خلفا للقائد السابق، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، يوصف بـ”ظل الرئيس”، قياسا بحضوره الدائم والمستمر معه في مختلف الفعاليات والأنشطة، بما فيها الاستحقاقات السياسية والدبلوماسية، على غرار حضوره أشغال القمة العربية التي احتضنتها الجزائر عام 2022.
وكان الظهور الدائم لشنقريحة مع رئيس الجمهورية -بشكل أعطى الانطباع أنه الرجل الثاني في الدولة، بينما التراتبية الدستورية تزيحه من سلم الشخصيات الأولى في البلاد- محل تأويل وانتقاد من طرف دوائر سياسية معارضة، ظلت تعتبر ذلك تعديا على الصلاحيات الدستورية.
وتقدَّم المؤسسة العسكرية في الجزائر على أنها الحاكم الفعلي في البلاد، وأن المؤسسات المدنية هي مجرد واجهة، فضلا عن دور النخب العسكرية والضباط الكبار في صناعة رؤساء البلاد.
الظهور الدائم لشنقريحة مع تبون محل انتقاد من طرف دوائر معارضة ظلت تعتبر الأمر تعديا على الصلاحيات الدستورية
وباستثناء تجربة الرئيس الراحل هواري بومدين (1965 – 1978)، التي مسك فيها بكل المسؤوليات بعد محاولة الانقلاب عليه من طرف رئيس أركانه آنذاك العقيد الراحل مؤخرا طاهر زبيري، ترك الرؤساء الآخرون مهمة قيادة المؤسسة لوزير دفاع أو وزير منتدب أو نائب وزير للدفاع، كما حدث للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة مع الجنرال قايد صالح.
وظهر الجنرال شنقريحة خلال السنوات الأخيرة في ثوب رجل دولة ثان غير معلن، خاصة مع مشاركته للرئيس تبون بعض المسائل البروتوكولية والتصريحات السياسية، على غرار رسائل التهاني والتبريكات وتوجيه خطاب مجلة الجيش (لسان حال المؤسسة العسكرية) خارج مهمتها المعهودة إلى دعم مسار السلطة السياسية في البلاد.
ولم يستبعد متابعون لمخارج التعديل الحكومي أن يكون قائد أركان الجيش قد ضغط بطريقته الخاصة من أجل تثبيت أركان المؤسسة في مختلف مفاصل الدولة بما فيها الحكومة، بغية الحفاظ على المكاسب التي حققتها المؤسسة في السنوات الأخيرة، حيث صارت متواجدة في مختلف المؤسسات بما فيها المدنية، كالوزارات والسفارات والمحافظات والمديريات.
لكن غياب التوافق غير المعلن بين الطرفين حول عدد من الملفات، لاسيما ذات الطابع الإستراتيجي والدبلوماسي، يعطي الانطباع بأن خطوة الرئيس تبون تستهدف تقريب شنقريحة منه وإلحاقه بسلطاته، من أجل ضمان الارتباط وعدم التصرف خارج إرادة الرجل الأول في الدولة.
وتتأكد نية الرئيس تبون في ترقية شنقريحة إلى وزير منتدب لدى وزير الدفاع من خلال رعاية ودعم قيادة الأركان ومعها قيادة القوات البرية، باعتبار أنها القطاع الأول في جسم المؤسسة العسكرية حيث يشكل منه حوالي 80 في المئة من هذا الجسم، وقائدها هو المؤهل لشغل منصب قائد أركان الجيش.
قد يكون هذا السيناريو ضمن أجندة الرئيس تبون للتخلص من ميزان قوة ينازعه سلطاته وصلاحياته في قيادة البلاد، لكن الجنرال شنقريحة لا يفرط في منصبه العملياتي بالموازاة مع منصبه السياسي الجديد، لضمان التوازنات التي حققتها المؤسسة منذ تنحي الرئيس الراحل بوتفليقة في أبريل 2019، تحت ضغط احتجاجات الحراك الشعبي.
وتبقى علاقة المنصبين ملتبسة في مسار الرئاسة الجزائرية منذ عدة عقود، فقد سبق لوزير الدفاع الراحل الجنرال خالد نزار أن ضغط على الرئيس الذي عينه في المنصب الشاذلي بن جديد، رفقة ما يعرف بصقور الجيش، من أجل تقديم استقالته وحل المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) في مطلع التسعينات، بهدف خلق وضعية فراغ دستوري تسمح للجيش بالتدخل ووقف المسار الانتخابي الذي اكتسحه آنذاك إسلاميو جبهة الإنقاذ.
ويرى البعض أن دفع الرئيس الراحل بوتفليقة إلى التنحي عن السلطة هو انقلاب مقنّع نفذه الجنرال الراحل قايد صالح، الذي رقاه الرئيس إلى قائد أركان ثم نائب لوزير الدفاع لثقة سادت بينهما حتى الأسابيع الأخيرة من الحراك الشعبي.
ويتكرر الوضع حاليا بترقية الرئيس تبون الجنرال شنقريحة وزيرا منتدبا لدى وزير الدفاع، ما يطرح فرضية تكرار السيناريو، في ظل التوازنات الهشة والتجاذبات المتجددة بين دوائر صنع القرار في السلطة.