الفولكلور المغربي يؤثث الفرجة في معرض الشارقة الدولي للكتاب
برنامج فني غني يحوي مجموعة من العروض الموسيقية والكوريغرافية التي تؤديها فرق مغربية تنتمي إلى أنماط فنية ومجالات جغرافية مختلفة.
شهد معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته لهذا العام حضورا مميزا للتراث المغربي، حيث أُقيمت فعاليات متنوعة تحتفي بالفولكلور المغربي الغني والمتنوع. وتضمنت العروض أنشطة ثقافية وفنية أضاءت على الجوانب المتعددة لهذا التراث، مثل الموسيقى الشعبية، الحكايات التقليدية، والملابس التقليدية التي تعكس التنوع الثقافي والجغرافي للمغرب.
منذ انطلاق دورته الحالية، يقدم الرواق المغربي بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، برنامجا فنيا غنيا، يحوي مجموعة من العروض الموسيقية والكوريغرافية التي تؤديها فرق مغربية، تنتمي إلى أنماط فنية ومجالات جغرافية مختلفة، وقد اختيرت من بين عشرات الأنماط التي تزخر بها خارطة الموسيقى المغربية.
وفي إطار خلق نوع من التلاقح الثقافي، استمتع زوار المعرض بفسيفساء فنية مغربية، جمعت إيقاعات كناوية وعيساوية وأمازيغية، صدحت فيها أصوات آلة “الكنبري” الوترية، ورنين “القراقب”، والطبول والمزامير في أرجاء أروقة المعرض.
وفي كل يوم من أيام الفعاليات، انتظر الجمهور بكباره وصغاره، مواعيد البرنامج الموسيقي للمغرب ضيف شرف الدورة الـ43 للمعرض، لمتابعة اللوحات الفنية التي تؤديها الفرق المغربية، مع تعالي أصوات التصفيقات ونظرات الانبهار بهذا المزيج الشعبي والتراثي الفريد من نوعه الذي يميز المملكة. وتتناوب الفرق المغربية فيما بينها، إذ يخصص كل يوم لعرض موسيقي مختلف، يتميز بمزاوجته بين جمالية أزياء الرقص الخاصة بكل منطقة والبراعة الفنية في الحركات والخطوات.
وبأزيائهم المتفردة التي تتمثل في “الحنديرة” الصوفية المزينة بـ”الموزون” والجلباب والبلغة، قدم أفراد الفرقة العيساوية لزوار المعرض وصلات من فن السماع والمديح، تمازجت فيها آلة الطبل، الغيطة، الطبيلة، التعاريج، النفير، آلة النحاسة، وآلة البندير (الدف)، مع روائح البخور التي تعد عنصرا مهمّا يضفي على المكان جوا روحانيا متميزا.
ويتابع الحضور، اصطفاف الفرقة خلف “المقدم” حسب نظام محدد على شكل حلقة، مع تمايل بالأجساد على إيقاع مضبوط، ثم يبدأ المقدم بالأول بضرب آلة الدف، وتبدأ الدخلة أو ما يسمى بـ”الفتوح الرباني” عند العيساويين بأبيات زجلية ربانية. وتعريفا بالانتماء الأفريقي للمغرب، كان للإيقاعات الكناوية المحملة بثقل الأساطير، حصتها من هذه العروض الفنية، إذ سافرت بالجمهور الحاضر إلى عوالم موسيقى روحية متعددة الأبعاد، لامست مشاعرهم ووجدانهم الداخلي، ومنهم من يكتشفها لأول مرة.
وفي إطار التعريف بتعدد الروافد اللغوية والثقافية بالمغرب، حظي زوار معـرض الشارقة بمتابعة أداء فرقة “تزويت” الأمازيغية الشهيرة التي تؤدي رقصة “تاسكيوين” المصنفة ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. ويرتبط أصلها بالحرب تشكيل “الأحلاف” بين قبائل المنطقة، ويشارك فيها نحو 20 شابا، لأن راقصها تتدلى من كتفه الأيسر “تيسكت”، وهي آلة تشبه القرن، تصنع من صفائح فضية وتتدلى منها خيوط حمراء.
◙ العروض الموسيقية المغربية تعكس ارتباط المغاربة القوي بتراث أجدادهم وثقافتهم وحرصهم على نقل هذا التراث الثمين والتعريف به
“وتبقى تيسكت، أو القرن، المرصعة بالزخارف الفضية أو النحاسية، والمذيلة بكتلة مصفوفة من خيوط الصوف القصيرة والحمراء، والتي يثبتها كل راقص على كتفه الأيسر، هي العلامة المميزة لهذه الرقصة الحربية والتي باسمها عرفت هذه الرقصة”، يشرح محمد أقديم.
وإلى جانب الرجال، تشارك الفتيات أيضا في رقصة “تاسكوين”، ويرقصن في انسجام مع حركات الذكور ما يزيد هذه الرقصة التراثية جمالا ومتعة.
ويقول الباحث عمر أمرير “في منتصف السهرة يخرج راقص أعزب، راغب في الزواج، أو راقصان فأكثر ينسلون من خلف الرجال بالخطى الراقصة تجاه صف الفتيات، فإذا بلغوا خلف البالغات سن الزواج يزدادون خفة وطربا حتى تنبري لهم فتيات تندس كل واحدة بين اثنين فيراقصوهن جنبا إلى جنب، (..) وتنطلق الزغاريد وترمى الورود وتذر حبات الملح على الراقصين والراقصات.”
وتتميـز “تزويت” أو رقصة النحلة، بإيقاعاتها الموسيقية التي تؤدى بالطبول وتصاحبها أهازيج وحركات خاصة تصنع مشاهد كوريغرافية تحاكي الاستعدادات القبلية للحرب إلى جانب وظيفتها الاحتفالية والفرجوية.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أشاد مايسترو فرقة “تزويت”، جمال أمدوري، بالحضور والتجاوب الجماهيري الذي شهدته العروض الفنية طيلة أيام المعرض، مبرزا أن مثل هذه المناسبات تعد فرصة للتعريف بما تزخر به الثقافة الفنية المغربية في شقها المتعلق بالتراث الأمازيغي.
وأوضح أن رقصة “تزويت”، تحاكي حركة النحلة من خلال تنقلات سريعة وراقصة تشبه طيران النحل، حيث يؤدي الراقصون حركات دائرية وسريعة مع تحريك الأيدي والأرجل بشكل متناسق، محاكين بذلك حركة النحلة في جمع الرحيق.
وفي تصريحات مماثلة، عبّر عدد من الزوار عن إعجابهم وانبهارهم بهذا التنوع والغنى الكبير الذي يتميز به الفلكلور المغربي، معربين عن شغفهم الكبير بالعروض التي قدمتها المجموعات الفنية المغربية على مختلف منصات هذه التظاهرة الثقافية. وتعكس هذه العروض الموسيقية المغربية ارتباط المغاربة القوي بتراث أجدادهم وثقافتهم وحرصهم على نقل هذا التراث الثمين والتعريف به لدى باقي الشعوب العربية وشعوب العالم.