إعفاء الصناعات الدفاعية من الضريبة دفعة مغربية مهمة لخيار توطين الصناعة العسكرية
ماموني
تشجيع الشركات المتخصصة على الاستثمار واختيار المملكة كوجهة مفضلة.
صادقت الحكومة المغربية الخميس على مرسوم يقضي بإعفاء مؤقت للشركات الصناعية العاملة في قطاع الدفاع من الضريبة على الشركات، في خطوة تعطي دفعة قوية لإستراتيجية توطين الصناعات الدفاعية في مرحلة مهمة وتأسيسية للقطاع.
ومن شأن هذه الخطوة أن تشجع الشركات المتخصصة في القطاع على العمل في المغرب كوجهة مفضلة لها، في سياق مقاربة شاملة تستهدف تعزيز استقلالية المملكة في مجال الدفاع وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية.
ويقول مراقبون إن الهدف من وراء الإعفاء من الضريبة لمدة خمس سنوات، هو تحفيز الشركات المتخصصة على الاستثمار في المغرب وإنشاء شركات متخصصة. وستكون لهذا نتائج على المديين المتوسط والبعيد، من ذلك أن توطين هذه الصناعات سيحدث حركية اقتصادية بتشغيل الكفاءات المغربية في هذه المشاريع واستفادة قطاعات اقتصادية مختلفة من وجود هذه الشركات.
ويتوقع المراقبون أن تستفيد الشركات الدولية المتخصصة في المجال من هذا التحفيز، ومن الاستقرار السياسي والأمني الذي تعرف به المملكة، للقدوم إلى البلاد وتنفيذ مشاريع متعددة، ما يؤهل المغرب لأن يكون قطبا إقليميا لهذه الصناعات، ويحقق جانبا كبيرا من حاجياته الدفاعية ويقلص من استيراد السلاح وتكاليفه، فضلا عن الاستفادة من التكنولوجيا المتطورة في مجال السلاح.
ويشير محمد الطيار، الباحث المغربي في السياسات الأمنية والإستراتيجية، في تصريح لـ”العرب” إلى أن دعم الشركات العاملة في التصنيع العسكري يدخل ضمن إستراتيجية سيادة المملكة في الصناعات العسكرية بالحصول على أنظمة تكنولوجية متطورة من خلال عقد شراكات مع حلفائها، وخضوع العديد من الخبراء والتقنيين المغاربة لتدريبات مكثفة، إلى جانب إطلاقها برامج التطوير والبحث العلمي بشراكة مع الجامعات والمعاهد المغربية، مع إنشاء المركز الملكي للدراسات وأبحاث الدفاع التابع للكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا.
وكان المغرب اعتمد عام 2017 هذا الإعفاء المؤقت لفائدة الشركات الصناعية بهدف تشجيع ودعم الاستثمارات الجديدة في القطاع الصناعي، وشمل ذلك فقط صناعة العربات العسكرية الحربية. وجاء اهتمام المغرب بالصناعة العسكرية بعد تجربته ونجاحه الكبير في تصنيع السيارات والطائرات خلال الأعوام الماضية. واستطاع المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، استقطاب العديد من الشركات الدولية للاستثمار في صناعة الطائرات، ليصل عددها إلى 142 شركة عاملة في قطاع الطيران، توفر نحو 20 ألف فرصة عمل.
ويرى خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض بمراكش، أن توطين الشركات وتحفيزها بالإعفاء الضريبي يخدم تصورين الأول اقتصادي بجلب الشركات المتخصصة وتوطينها في المغرب والعمل على تعزيز إنتاجيتها، والثاني ضمان استفادة المغرب من بعض الجوانب التقنية في المجال العسكري المخصصة للنزاعات العسكرية رغم أنه يميل إلى عدم استعمال القوة في مجال العلاقات الدولية.
وشرع المغرب في طريق توطين الصناعات العسكرية بسن القانون المتعلق بعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة، والذي صادق عليه العاهل المغربي الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، في العام 2020، والذي يهدف إلى تقنين أنشطة التصنيع والتجارة والاستيراد والتصدير ونقل وعبور هذه المعدات والتجهيزات، من خلال إحداث نظام ترخيص لممارسة هذه الأنشطة، ونظام للتتبع ومراقبة الوثائق والتأكد على الفور من أصحاب الرخص والتفويضات في هذا المجال.
ويرى الباحث المغربي في الشؤون الإستراتيجية هشام معتضد أن تحفيز الشركات الدفاعية المتخصصة “ليست مجرد استجابة لحاجة اقتصادية محلية، بل هي جزء من تحول شامل في مقاربة المغرب للأمن القومي ضمن إستراتيجية بعيدة المدى لتعزيز استقلالية الرباط في مجال الدفاع وتحقيق السيادة الدفاعية، حيث تعتمد الدولة على تطوير قدرات ذاتية للتصنيع العسكري، وتقلل من الاعتماد على الخارج في تأمين المعدات الحساسة.”
وتعزيزا لقدراته العسكرية وتوطين الصناعة الدفاعية رفع المغرب ميزانية الدفاع، حيث كشف عبداللطيف لوديي، الوزير المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عن تخصيص المغرب، في مشروع ميزانية 2025، مبلغ 5.8 مليار درهم (حوالي نصف مليار دولار) لاعتمادات الأداء لاقتناء المعدات والأسلحة والذخيرة لفائدة القوات المسلحة الملكية وتقوية البنية التحتية بهدف تأمين الحدود الشرقية والجنوبية.
ويهدف المغرب، حسب عرض لوديي لمشروع ميزانية الدفاع الوطني، الخميس، أمام لجنة الخارجية والدفاع الوطني في الشق المتعلق باعتمادات الالتزام، إلى تمويل المشاريع والصفقات المبرمة سابقًا مع تغطية الدين العسكري، وتخصيص غلاف مالي لإطلاق مشاريع جديدة تهدف إلى “دعم وتقوية الخطط الدفاعية والأمنية الاستباقية للجيش المغربي.”
وعلى مستوى الاعتمادات المالية سجلت ميزانية الدفاع الوطني المغربي خلال السنوات الخمس الأخيرة قفزات مهمة، تعززت باعتماد موازنة لسنة 2025 تصل إلى نحو 133 مليار درهم (13 مليار دولار) من أجل “اقتناء وإصلاح المعدات العسكرية ودعم تطوير صناعة الدفاع،” بزيادة قاربت 9 مليارات درهم (873 مليون دولار) عن السنة الماضية، وزيادة فاقت 37 مليار درهم (3.5 مليار دولار) عن سنة 2019.
وفي السياق ذاته قرر المغرب استحداث منطقتين صناعيتين عسكريتين، كما وقّع مؤخرا اتفاقية مع شركة “تاتا أدفانس سيستمز” الهندية العملاقة لإقامة مصنع في مدينة الدار البيضاء الكبرى لتصنيع معدات دفاعية متطورة، مع توجه المملكة أيضا إلى تطوير صناعات عسكرية أخرى مثل المسيّرات ومعدات الحرب الإلكترونية، وقد أعلنت شركة “أيرو درايف” المغربية هذا الشهر عن نجاح أول تجربة لطائرة “أطلس” دون طيار، المصممة للمهام العسكرية.
وفي إطار إستراتيجية تنويع الشركاء في مجال التصنيع العسكري وخلق نواة صناعية عسكرية محلية، أبرم المغرب اتفاقيات الشراكة الأمنية والعسكرية مع مجموعة من الدول الرائدة، بهدف توطين الصناعة الدفاعية محليا والاستفادة من الخبرة والتقدم التكنولوجي العسكري الذي حققته تلك الدول من أجل تلبية احتياجات الجيش في مجال الأمن والدفاع وتقليص فاتورة الاستيراد.
ويعتقد هشام معتضد أن المغرب يركز على تعزيز القوة القومية كوسيلة للحفاظ على الأمن والاستقلال، وأن هذا القرار وإن كان ظاهره اقتصاديا فهو خطوة عملية لتعزيز موقع الرباط بصفتها فاعلا إقليميا مستقلا، وقادرة على تلبية احتياجاتها الدفاعية من دون الاعتماد المفرط على التحالفات الخارجية.