خطب الجوامع في المغرب تصبح فرصة أمام اليسار لتجديد حضوره باسم غزة
وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ينفي الإدعاء بأن الأئمة لا يمكنهم التطرق إلى الحرب بين إسرائيل وحماس، لكنه أقر بحظر الدعوة إلى الجهاد.
تحاول أحزاب اليسار في المغرب استغلال الحرب في غزة ولبنان لتجديد حضورها وإن كان بالتدخل في خطب الأئمة في الجوامع، وهو عادة ما يقتصر على تيار الإسلام السياسي.
ورغم عدم صدور قرار من السلطة يمنع الأئمة من الحديث عما يجري في غزة أو لبنان إلا أن النائبة الاشتراكية نبيلة منيب عبرت خلال اجتماع برلماني عن قلقها من تقييد كيفية تحدث الأئمة عن القضية الفلسطينية.
وقالت منيب “لا يمكن لأي إمام أن يتحدث عن القضية الفلسطينية ولا يطالب اليوم أحد بنُصرة إخواننا في فلسطين”، في دعوة بدا أن الهدف منها محاولة التقرب من الإسلاميين.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن فرض الحكومة قيودا على الأئمة في المغرب، حيث سبق للسلطات أن أصدرت في أكتوبر 2023 بيانا كذبت فيه ما يتردد من أنباء بشأن وضع حدود للجوامع.
وقالت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في بيان حينئذ إن الخطب عن معاناة الفلسطينيين غير ممنوعة وإن الوثيقة مزورة. وأثارت تصريحات منيب جدلا واسعا حيث اعتبرها البعض دعوة إلى الجهاد على طريقة الإسلاميين المتشددين.
وقالت منيب في مقابلة مع موقع أنفاس بريس الإخباري المغربي يوم الجمعة إنها كانت تنوي التنديد بالممارسات الرامية إلى منع الأئمة من الحديث عن الفلسطينيين لكنها لم تقل إن عليهم الدعوة إلى الجهاد من منابرهم.
ونفى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق ادعاء منيب بأن الأئمة لا يمكنهم التطرق إلى الحرب بين إسرائيل وحماس، لكنه أقر بحظر الدعوة إلى الجهاد ودافع عن هذا القرار.
وقال نرحب بشجب أي إمام للهمجية والظلم وبإدانتهما، “لكن الدعوة إلى الجهاد شيء آخر.” وحذر توفيق خلال شرحه للحظر هذا الأسبوع من وجود تفسيرات مختلفة للجهاد.
ويحتضن المغرب تاريخيا أحد أهم المجتمعات اليهودية في المنطقة. وكان واحدا من أربعة بلدان عربية وافقت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل في 2020. لكن عشرات الآلاف من المحتجين خرجوا بانتظام إلى الشوارع الرئيسية عبر المدن المغربية طوال الحرب المستمرة منذ 14 شهرا احتجاجا على تصرفات إسرائيل ومطالبين مملكتهم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية.
ووحدت الاحتجاجات الاشتراكيين -مثل منيب- مع الإسلاميين، بما في ذلك من حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، وهي حركة إسلامية محظورة ولكن متسامح معها ولا تشارك في الانتخابات، وواجه بعض أعضائها الاعتقال والسجن بسبب آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي حول علاقات المغرب مع إسرائيل خلال الحرب.
وأكد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لزرق في تصريح لـ”العرب” أن نبيلة منيب من خلال تعليقها على خطبة الجمعة تحاول مغازلة قوى التدين السياسي، سعيا للركوب على هذا الموضوع الذي تؤطره الدولة تحت عنوان “خطة تسديد التبليغ” بغية الظهور في دائرة الضوء وهذا ينم عن كون اليسار المغربي بات يفتقد إلى مشروع.
واعتبر لزرق أن نبيلة منيب بمثل هذه الخرجات تساهم -إلى جانب قيادات شعبوية يسارية- في نسف أي محاولة لإنعاش المشروع الحداثي التقدمي بالمغرب، وذلك نتيجة طريقة تدبير الشأن السياسي بمنطق اليومي دون رؤية إستراتيجية، وهنا لا بد من الإشارة إلى تحالف التقدم والاشتراكية مع العدالة والتنمية، بعدما انساقا وراء حسابات سياسية ضيقة، الشيء الذي جعل الحزبين اليساريين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية إلى جانب حزب نبيلة منيب تفقد مصداقيتها لدى الشعب، وهو ما تسبب في انتكاسة اليسار الذي يعرف إلى حد الآن تراجعا شعبيا.
وأكد رشيد لزرق أن “تصريحات منيب داخل مؤسسة البرلمان لا تتماشى مع المتغيرات المستمرة على الساحة السياسية المغربية، والتي تدفعنا إلى الجزم بأنه من الصعب الحديث عن أحزاب اليسار ككتلة منسجمة، أو حتى كجبهة سياسية موحدة للتعاطي مع قضايا وطنية أو عربية كالذي يحدث بغزة، رغم المحاولات المتعددة لتحقيق هذا الهدف، وأن رفع شعار توحيد اليسار محاولة للتمويه موجهة ضد التغيير داخل هياكل تلك الأحزاب.”
وتتدخل الحكومات في ما يقوله الأئمة على المنابر في خطب الجمعة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، بما في ذلك المغرب، الذي عمل منذ فترة طويلة على الترويج لنفسه دوليا على أنه نموذج للإسلام المعتدل.
وقال فرانشيسكو كافاتورتا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة لافال في كيبيك، “إن دولا مثل المغرب والجزائر ومصر وسوريا مارست تاريخيا سيطرتها على الأئمة للتحكم في سردية الدين وضمان ألا تقوض الخطب الاستقرار الوطني.”
وذكر أن الإجراءات المتبعة في المغرب تندرج ضمن المساعي التي تبذلها المملكة لتكون “بلدا مسلما ولكنه متسامح ومضياف.” وتقوم وزارة الشؤون الإسلامية بإصدار توجيهات للأئمة كل يوم أربعاء، أي قبل يومين من صلاة الجمعة.